فالأئمة (عليهم السلام) - كما وردت الروايات (1) - لم يريدوا الكشف عن التفاصيل المتعلقة بحياة الإمام المهدي وولادته الميمونة، لمعرفتهم بتكالب الأعداء في طلبه، وجدهم وتربصهم به، وقد كانوا يبثون العيون ويترصدون كل حركة للعثور على الإمام والتخلص منه، بعد أن أيقنوا بالأمر وشاهدوا ترقب الأمة وتطلعها لمقدمه الشريف ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا.
وكيف لا يحرص الأئمة (عليهم السلام) على حياته العزيزة، وقد فعل سلاطين الجور الأفاعيل، وارتكبوا الحماقات والشناعات بحق أهل البيت وذرية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ طاردوهم وسجنوهم وأذاقوهم التشريد والقتل أخذا بالظنة والتهمة والوشاية المغرضة، ودونك التاريخ فاقرأ في (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني العجب العجاب.
وإذن فكيف يكون الحال وقد اطلع هؤلاء السلاطين على الروايات في صحاح المسلمين ومسانيدهم عن المهدي من العترة الطاهرة، ومن ذرية فاطمة ومن أولاد الحسين تحديدا، وأنه سيظهر ليملأها قسطا وعدلا، فهذه المعرفة اليقينية قد خلقت شعورا قويا لدى الحكام الظلمة بأن عروشهم ستنهار. وكان هذا الهاجس هو الذي يفسر لنا تلك الإجراءات الغريبة وغير الاعتيادية التي اتخذتها السلطة الحاكمة عند سماع نبأ وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرة، وليس هناك من تفسير معقول سوى اعتقادهم بوجود الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن، وأنه الإمام الموعود كما نطقت به الأخبار المتواترة لدى السنة والشيعة، ولذا أسرعوا إلى دار الإمام (عليه السلام) واتخذوا مثل تلك الإجراءات الاستثنائية بدءا من التفتيش الواسع والدقيق، إلى حبس جواري الإمام وإخضاعهن