فيهم أن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ووقع أن عمرو بن الأهتم مدح الزبرقان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمطاع في أنديته سيد في عشيرته فقال الزبرقان لقد حسدني يا رسول الله لشرفي وقد علم أفضل مما قال فقال عمرو إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال وفي لفظ أن الزبرقان قال يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم آخذ لهم بحقوقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهتم فقال عمرو إنه لشديد العارضة مانع لجنبه مطاع في ناديه مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان والله لقد كذب يا رسول الله وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا احسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مبغض في العشيرة فعرف عمرو الإنكار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله والله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت أقبح ما علمت وفي رواية والله يا رسول الله لقد صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت أسوأ ما علمت فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وجاء إن من لبيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيا قال بعضهم أما قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان سحرا فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله إن من العلم جهلا فإن العالم يكلف مالا يعلم فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهو هذه المواعظ والأمثال وأما قوله وإن من القول عيا فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه هذا كلامه وفيه إن هذا بيان للسحر المذموم وليس المراد هنا وإنما هو من السحر الحلال ومن ثم أقر صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عليه ولم يسخطه منه فالسحر المذموم أن يصور الباطل في صورة الحق ببيانه ويخدع السامع بتمويهه وهو المراد عند الإطلاق والسحر غير المذموم فما كان من البيان على حق لأن البيان بعبارة مقبولة عذبة لا استكراه فيها تستميل القول القلوب كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إلى ماموه به
(٢٢٠)