وفى السيرة الهشامية ما يقتضى أنه خرج منها حيث قال عن ابن مسعود فجئتهم فرأيت الرجال ينحدرون عليه صلى الله عليه وسلم من الجبال فازدحمواعليه إلى آخره فليتأمل فعلم أن هذه القصة بعد كل من قصة ابن عباس وقصة رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف فإن قصة ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كانت في أول البعث وقصة رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف بعدها بمدة مديدة كما علمت وهذه القصة كانت بعدهما بمكة والله أعلم ثم قال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود هل معك وضوء أي ماء نتوضأ به قلت لا فقال ما هذه الإداوة أي وهى إناء من جلد قلت فيها نبيذ قال ثمرة طيبة وماء طهور صب على فصببت عليه فتوضأ وأقام الصلاة وصلى أقول وهو محمول عند أئمتنا معاشر الشافعية على أن الماء لم يتغير بالتمر تغيرا كثيرا يسلب اسم الماء ومن ثم قال ماء طهور وقول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فيها نبيذ أي منبوذ الذي هو التمر وسماه نبيذا باعتبار الأول على حد قوله تعالى إني أراني اعصر خمرا وهذا بناء على فرض صحة الحديث وإلا فقد قال بعضهم حديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين وفى كلام الشيخ محيي الدين بن العربي رضى الله تعالى عنه الذي أقول به منع التطهر بالنبيذ لعدم صحة الخبر المروى فيه ولو أن الحديث صح لم يكن نصا في الوضوء به فإنه صلى الله عليه وسلم قال ثمرة طيبة وماء طهور أي قليل الامتزاج والتغير عن وصف الماء وذلك لأن الله تعالى ما شرع الطهارة عند فقد الماء إلا بالتيمم بالتراب خاصة قال ومن شرف الإنسان أن الله تعالى جعل له التطهر بالتراب وقد خلقه الله من تراب فأمره بالتطهر أيضا به تشريفا له وعند أحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قلت لابن مسعود هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد فقال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا استطير أو اغتيل وطلبناه فلم نجده فبتنا بشر ليلة فلما أصبحنا إذ هو جاء من قبل الحجون وفى لفظ من قبل حراء فقلنا يا رسول الله إنا فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة فقال إنه أتاني داعى الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وهذه القصة
(٦٧)