الذين يقاتلون دعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة فعادت المدينة أصح بلاد الله تعالى بعد أن كانت بخلاف ذلك كذا قيل فليتأمل فإنه يقتضى أن الحمى لما نقلت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة وهو الموافق لما يأتي عن الخصائص وحين نقلت الحمى إلى الجحفة صارت الجحفة لا يدخلها أحد إلا حم بل قيل إذا مر بها الطائر حم واستشكل حينئذ جعلها ميقاتا للإحرام وقد علم من قواعد الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما فيه ضرر وأجيب بأن الحمى انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها كذا قيل فليتأمل وعنه صلى الله عليه وسلم قال رأيت أي في النوم امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة فأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة وفى الخصائص الصغرى للسيوطي وصرف الحمى عنها يعنى المدينة أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون إلى الشام ولما عادت الحمى إلى المدينة باختياره صلى الله عليه وسلم إياها لم تستطع أن تأتى أحدا من أهلها حتى جاءت ووقفت ببابه واستأذنته فيمن يبعثها إليه فأرسلها إلى الأنصار فقد جاء إن الحمى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت أنا أم ملدم وفى رواية أنا الحمى أبرى اللحم وأشرب الدم قال لا مرحبا بك ولا أهلا وفيه أنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم الله نهى عائشة عن سبها فقالت له أمضى إلى أحب قومك أو أحب أصحابك إليك فقال اذهبي للأنصار فذهبت إليهم فصرعتهم فقالوا له ادع لنا بالشفاء فقال إن شئتم دعوت الله عز وجل يكشفها عنكم وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم وفى رواية كانت لكم طهورا فقالوا بلى دعها يا رسول الله ولعل هذا كان لطائفة من الأنصار فلا ينافي ما جاء أن الأنصار لما شكوا له الحمى وقد مكثت عليهم ستة أيام بلياليها دعا لهم بالشفاء وصار صلى الله عليه وسلم يدخل دارا دارا وبيتا بيتا يدعو لهم بالعافية وهذا الذي في الخصائص يدل على أن الحمى لما ذهبت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة وأنها بعد ذلك عادت إلى المدينة باختيار منه صلى الله عليه وسلم
(٢٨٤)