السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٦٦٤
الأوس فذهبت إليهم فقام كعب بن أسيد فقال يا ابا بشير قد عرفت ما بيننا وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا ومحمد لا يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه فلوا زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر ولم نطأ له أرضا ولم نكثر عليه جمعا أبدا أما ترى قد اخترناك على غيرك أننزل على حكم محمد قال أبو لبابة نعم فانزلوا وأومأ إلى حلقه بالذبح قال فندمت واسترجعت فقال لي كعب مالك يا ابا لبابة فقلت خنت الله ورسوله فنزلت وإن عيني لتسيل من الدموع ثم انطلق أبو لبابة على وجهه فلم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتبط بالمسجد إلى عمود من عمده أي وهي السارية ويقال لها الأسطوانة وهي التي كانت عند باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد وقيل الأسطوانة المخلقة التي يقال لها أسطوانة التوبة والأول أثبت وكانت تلك الأسطوانة أكثر تنقله صلى الله عليه وسلم عندها وكان ينصرف إليها من صلاة الصبح فكان يستبق إليها الفقراء والمساكين ومن لا بيت له إلا المسجد فيجئ إليهم صلى الله عليه وسلم ويتلوا عليهم ما أنزل من ليلته ويحدثهم ويحدثونه وكان ارتباطه بسلسلة ريوض أي ثقيلة وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب اله علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يرى في بلد خان الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره كان استبطأه قال اما لو جاءني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه هذا وفي كلام البيهقي وأورده في الدر أن ارتباطه إنما كان لتخلفه عن تبوك فقد ذكر أنه لما أشار بيده إلى حلقه وأخبر عنه صلى الله عليه وسلم بذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبت أن الله غفل عن يدك حيث تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه ثم لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك كان أبو لبابة فيمن تخلف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجع جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة وارتبط بالسارية واستغرب ذلك بعضهم فقال وأغرب من ادعى أن أبا لبابة إنما فعل ذلك لتخلفه عن غزوة تبوك ثم إن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر بهم فكتفوا
(٦٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 659 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 ... » »»