السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٤٥٠
استبقاء الرجال ومن ثم قال لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ كما سيأتي وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار وفي الأصل أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فقال إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون بعد ذلك فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا أو من جاء منهم أي وهم المعظم فقال إن هذا جبريل يخبركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم ويستشهد قابلا منكم بعدتهم فقالوا بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابلا منا الجنة سبعون وفي لفظ ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره وهو كما ترى يدل على أن الصحابة وافقوا أبا بكر رضي الله عنهم على أخذ الفداء ولعل هذا الإخبار بالتخيير كان بعد الاستشارة التي تكلم فيها أبو بكر وعمر وأن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان بعد هذه الاستشارة الثانية وقوله صاحب الهدى بكاؤه صلى الله عليه وسلم وبكاء الصديق رحمة وخشية أن العذاب يعم ولا يصيب من أراد ذلك خاصة يفيد أن الذي أشار بأخذ الفداء طائفة من الصحابة لا كلهم أقول وفيه أن هذا يشكل عليه قوله لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب أو إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ فإن فيه تصريحا بأن العذاب لو وقع لا يعم وأنه لا يصيب إلا من أشار بالفداء وفيه أن من أشار بالفداء غاية الأمر أنهم اختاروا غير الأصلح من الأمرين واختيار غير الأصلح لا يقتضي العذاب على أن حل أخذ الفداء علم من واقعة عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة والحكم بن كيسان ولم ينكره الله تعالى وذلك قبل بدر بأزيد من عام إلا أن يقال أراد الله تعالى تعظيم أمر بدر لكثرة الأسارى فيها مع شدة تصلبهم في مقاتلته صلى الله عليه وسلم وفي المواهب كلام في الآية المذكورة يتأمل فيه ورأيت فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أقدم إليه الحجة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وعن الأعمش سبق منه أنه لا يعذب أحدا شهد بدرا ومن ثم جاء كما يأتي أن رجلا قال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي ائذن لي أن أضرب عنقه فقال له إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم والله أعلم ولا ينافي
(٤٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»