السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٤٣٨
ذلك ما تقدم عن ابن سعد أنه لما انهزم المشركون دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم بالسيف مصلتا يتلو هذه الآية * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * لجواز أن يكون صلى الله عليه وسلم خرج في أثرهم برهة من الزمان ثم عاد إلى العريش فأحدق به هؤلاء مع من تقدم فأنزل الله تعالى سورة الأنفال * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * فالنفل قد يطلق على الغنيمة كما هنا كما أشرنا إليه وسماها الله تعالى أنفالا لأنها زيادة في أموال المسلمين وكذا الفيء المذكور في سورة الحشر التي نزلت في غزوة بني النضير يطلق على الغنيمة وسمى فيئا لأن الله تعالى أفاءه على المؤمنين أي رده عليهم من الكفار فإن الأصل أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته لأنه إنما خلق الخلق لعبادته فقد رد إليهم ما يستحقونه كما يعاد ويرد على الرجل ما غصب من ميراثه وإن لم يقبضه قبل ذلك ومنه قول بعضهم كان أهل الفيء بمعزل عن أهل الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء كان يعطى من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء أي إلى الغنيمة وأخرج من الصدقة فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يضعه حيث شاء فدلت الآية على أن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد من المقاتلة شيء منها ثم نسخت هذه الآية بقوله تعالى * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * والأربعة أخماس الباقية للمقاتلة أي فكان ذلك الخمس يخمس خمسة أخماس واحد له صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما أحب والأربعة من ذلك الخمس لمن ذكر في الآية والأربعة الأخماس الباقية تكون للمقاتلة وسيأتي في سرية عبد الله بن جحش لنخلة أنه صلى الله عليه وسلم خمس العير الذي جاء به عبد الله كذلك فجعل خمس ذلك لله وأربعة أخماسه للجيش وقيل عبد الله هو الذي خمسها كذلك وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وهي أول غنيمة في الإسلام وأول غنيمة خمست فكان تخميسها قبل نزول الآية لما علمت أن نزول تلك الآية كان بعد بدر فهي من الآيات التي تأخرت تلاوتها عن حكمها قال بعضهم وكان ابتداء تحليل الغنائم لهذه الأمة في وقعة بدر كما ثبت في الصحيحين وذلك في قوله تعالى * (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) * فأحل الغنيمة لهم
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»