السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٤٣٣
إلا أن المراد في الآية شهداء المعركة لا مطلق الشهادة إذ شهادة المعركة لم تحصل لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثم لا يخفى أن الذي ثبت حياة الأنبياء وصلاتهم في قبورهم وحجهم وأما صومهم وأكلهم وشربهم في ذلك فلم أقف على ما يدل على ذلك في شيء من الأحاديث والآثار وقياسهم في ذلك على الشهداء علمت أنه قد يمنع لما أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل والذي يدل على أنهم يحجون ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام واضعا أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى يونس عليه الصلاة والسلام على ناقة حمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا وقد جاء في موسى عليه السلام أنه كان على بعير وفي رواية على ثور ولا منافاة لجواز أن يكون تكرر حجه أو ركب البعير مرة والثور أخرى ولا يخفى أن رزق الشهداء يصدق على الجماع لأنه مما يلتذذ به كالأكل والشرب ثم رأيت سيدي أبا المواهب الشاذلي رحمه الله ونفعنا ببركاته قال في كتابه المسمى بعنوان أهل السر المصون في كشف عورات أهل المجون وأخبر سبحانه عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وحمله أهل العلم على الحقيقة وأنهم يأكلون ويشربون وينكحون حقيقة وقائل غير هذا أي أن الأكل والشرب عبارة عن لذة تحصل لهم كاللذة الناشئة عن الأكل والشرب والنكاح صرف هذه الآية عن ظاهرها من غير ضرورة تلجىء إلى ذلك ثم قاس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشهداء في ذلك لما تقدم من أنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة والشهادة وقد علمت جواب من منع القياس ثم رأيت عن إفتاء شيخنا الشمس الرملي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء رضي الله عنهم يأكلون في قبورهم ويشربون ويصلون ويصومون ويحجون ووقع الخلاف هل ينكحون فقيل نعم وقيل لا وأنهم يثابون على صلاتهم وصومهم
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»