وسبب الفجار الثاني أن امرأة من بني عامر كانت جالسة بسوق عكاظ فأطاف بها شاب من قريش من بني كنانة فسألها أن تكشف وجهها فأبت فجلس خلفها وهي لا تشعر وعقد زيلها بشوكة فلما قامت انكشف دبرها فضحك الناس منها فنادت المرأة يا آل عامر فثاروا بالسلاح ونادى الشاب يا بني كنانة فاقتتلوا وقوله فسألها أن تكشف وجهها فأبت يدل على أن النساء في الجاهلية كن يأبين كشف وجوههن وسبب الفجار الثالث أنه كان لرجل من بني عامر دين على رجل من بني كنانة فلواه به أي مطله فجرت بينهما مخاصمة فاقتتل الحيان وقد ذكر أن عبد الله بن جدعان تحمل ذلك الدين في ماله وكان ذلك سببا لانقضاء الحرب وقيل لم يقاتل صلى الله عليه وسلم في فجار البراض وعليه اقتصر في الوفاء أي لم يرم فيه بأسهم بل قال كنت أنبل على أعمامي أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموه وقد يقال لا مخالفة لأنه ليس في هذه العبارة أنه لم يرم بل فيها أنه كان ينبل ويجوز أن يكون أغلب أحواله صلى الله عليه وسلم ذلك أي أنه كان ينبل أي يرد النبل فلا ينافي أنه رمى في بعض الأوقات بأسهم أي وفي كلام بعضهم كان أبو طالب يحضر أيام الفجار أي فجار البراض وكانت أربعة أيام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام فإذا جاء هزمت قيس ولعل المراد قيس هوازن فلا ينافي ما يأتي من الاقتصار على هوازن وإذا لم يجيء هو أي في يوم من تلك الأيام هزمت كنانة فقالوا لا أبالك لا تغب عنا ففعل ذكره في الإمتاع وذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم طعن أبا براء ملاعب الأسنة في تلك الحروب أي في بعض تلك الأيام وأبو براء هذا كان رئيس بني قيس وحامل رايتهم في تلك الحرب والطعن ظاهر في الرمح محتمل للنبل وظاهر كلامهم أنه لم يقاتل فيه بغير الرمي للأسهم على تقدير صحة تلك الرواية بذلك ولا يبعد أن يكون رمى لم يصب أحدا إذ لو أصاب لنقل لأنه مما توفر الدواعي على نقله إلا أن يقال بجواز أن يكون أصاب أحدا ثمرة لم تذكر فليتأمل قال وسميت الفجار لأن العرب فجرت فيه لأنه وقع في الشهر الحرام أقول ظاهره حروب الفجار الأربعة أي التي هي فجار البراض وغيرها وظاهر كلامه صلى الله عليه وسلم أنه لم يحضر إلا في الفجار الرابع الذي هو فجار البراض
(٢٠٨)