السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
فقال له تب إلى الله مما نويت فإنه بيت الله وحرمه وأمره بتعظيم حرمته ففعل فبرأ من دائه وقيل لأنه أول بيت وضع في الأرض وقيل لأنه أعتق من الغرق بسبب الطوفان في زمن نوح عليه الصلاة والسلام كذا في الكشاف وغيره وفيه نظر ظاهر لما تقدم من دثوره بالطوفان ولما ذكر في قصة نوح أنه لما بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض فوقفت بوادي الحرم فإذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلاها إلا أن يقال إن معنى أعتق أنه لم يذهب بالمرة بل بقي أثره وفي الخميس عن ابن هشام أن ماء الطوفان لم يصل للكعبة ولكن قام حولها وبقيت هي في هواء السماء أي بناء على الكعبة هي الخيمة التي كانت على زمن آدم عليه الصلاة والسلام وتقدم عن الكشاف أنها رفعت إلى السماء الرابعة وأنها البيت المعمور وهذا كما علمت يدل على أن المراد بالكعبة الخيمة التي كانت لآدم وقوله قام حولها يريد أنه لم يعل محل تلك الخيمة ولعله لا ينافيه ما تقدم في قصة نوح فليتأمل وفي رواية أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام نادى يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج وفي لفظ إن ربكم قد اتخذ بيتا وطلب منكم أن تحجوه فأجيبوا ربكم كرر ذلك ثلاث مرات فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فأجابه من كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك فليس حاج يحج إلى أن تقوم الساعة إلا ممن كان أجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن لبى تلبية واحدة حج حجة واحدة ومن لبى مرتين حج حجتين وهكذا وفي لفظ لما نادى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما خلق الله من جبل ولا شجر ولا شيء من المطيعين له إلا أجاب لبيك اللهم لبيك أقول لا يخفى أنه يحتاج إلى الجمع بين هذه الروايات فيما نادى به إبراهيم عليه الصلاة والسلام وسيأتي ومعلوم أن إجابة غير العقلاء إجابة إجلال وتعظيم ولعل المراد بالكتب مطلق الطلب لا خصوص الوجوب لأنه لم يفرض الحج على هذه الأمة إلا بعد الهجرة في السنة السادسة وقيل التاسعة وقيل العاشرة كما سيأتي وأما بقية الأمم من بعد إبراهيم فلم أقف على وجوب الحج عليها وقد ذكر بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصحيح أنه لم يجب الحج إلا على هذه الأمة واستغرب وفي الخصائص الصغرى وافترض عليهم أي على هذه الأمة ما افترض
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»