من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين أظهرهم، ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.
قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف: فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله عز وجل، وصرخوا وتضرعوا إليه، وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات. وجأرت الانعام والدواب والمواشي، فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها وكانت ساعة عظيمة هائلة.
فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته، عنهم العذاب الذي كان قد اتصل بهم سببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم.
ولهذا قال تعالى: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها " أي هلا وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك، بل كما قال تعالى: " وما أرسلنا في قرية من نبي إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ". وقوله: " إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين " أي آمنوا بكمالهم.
وقد اختلف المفسرون: هل ينفعهم هذا الايمان في الدار الآخرة، فينقذهم من العذاب الأخروي كما أنقذهم من العذاب الدنيوي؟ على قولين: