ولهذا وقال: " يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون " أي أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أنى أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحا وأهلك من خالفه من الخلق. وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجرا عليه، بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع.
ولهذا قال مؤمن " يس ": " اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون؟ " وقال قوم هود له فيما قالوا: " يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء "، يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك; بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه. وعندنا أنه إنما أصابك هذا لان بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فالعتراك جنون بسبب ذلك. وهو قولهم: " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ".
" قال إني أشهد الله واشهدوا أنى برئ مما تشكرون من دونه، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ".
وهذا تحد منه لهم، وتبرأ من آلهتهم وتنقص منه لها، وبيان أنها لا تنفع شيئا ولا تضر، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله.
فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا برئ منها