الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٧٤٠
بحضرة أبي، ولم يكن يكنى عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى، فدخل رجل أسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن، حديث السن، له جلالة وهيبة حسنة.
فلما نظر إليه أبي قام ومشى إليه خطا، ولم أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي يجلس عليه، وجلس أبي إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه يكلمه ويفديه بنفسه، وأنا متعجب مما أرى، إذ دخل حاجب فقال: الموفق قد جاء. وكان الموفق إذا جاء ودخل على أبي تقدمه حجابه وخاصته وقواده فيقومون بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة، فقال حينئذ: إذا شئت جعلني الله فداك. ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا، يعني الموفق، فقام وقام أبي فعانقه ومضى فقلت للحجاب وغلمانه: من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل أبي معه هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علوي يقال له الحسن بن علي ويعرف بابن الرضا، فازددت تعجبا، ولم أزل يومي ذلك قلقا مفكرا في أمره وأمر أبي وما رأيته منه.
فلما كان الليل وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان، فلما صلى العتمة وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد ألك حاجة؟
فقلت: نعم يا أبه، فإن أذنت سألتك عنها.
قال: قد أذنت. فقلت: يا أبه من الرجل الذي رأيته بالغداة وقد فعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك. فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة المعروف بالحسن بن علي المعروف بابن الرضا. ثم سكت ساعة وأنا ساكت، ثم قال: يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس لم يستحقها أحد غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وجميل أخلاقه، ولو رأيت أباه رأيت رجلا نبيلا فاضلا. فازددت قلقا وتفكرا، وما سألت بعد ذلك أحدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية
(٧٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 734 735 737 738 739 740 741 742 743 744 745 ... » »»