قال: فانصرف وجاء في سوق الدواب وفيها من الضجة والمصادمة واختلاف الناس شئ كثير. قال: فلما دخل إليها سكتت الضجة وهدأت الدواب. قال:
وجلس إلى نخاس كان يشتري له الدواب قال: فجئ له بفرس كبوس لا يقدر أحد أن يدنو منه. قال: فباعوه إياه بوكس، فقال لي: يا محمد قم فاطرح السرج عليه. قال: فقمت وعلمت أنه لا يقول لي إلا ما لا يؤذيني، فحللت الحزام وطرحت السرج عليه، هذا ولم يتحرك، وجئت لأمضي به فجاء النخاس فقال:
ليس يباع. فقال: سلمه إليه. قال: فجاء النخاس ليأخذه، فالتفت إليه إلتفاتة ذهب منه منهزما. قال: وركب ومضينا فلحقنا النخاس فقال: صاحبه يقول: أشفقت من أن يرده فإن كان قد علم ما فيه من الكبس فليشتره. فقال له أستاذي: قد علمت.
فقال: قد بعتك. فقال لي: خذه، فأخذته وجئت به إلى الإصطبل، فما تحرك ولا آذاني، فركبه أستاذي فلما نزل جاء إليه فأخذ باذنه اليمنى فرقاه، ثم أخذ باذنه اليسرى فرقاه. قال: فوالله لقد كنت أطرح الشعير له وأفرقه من يديه فلا يتحرك هذا ببركة أستاذي، وكان هذا الفرس يقال له الصؤول (1) يزحم بصاحبه حتى يزحم به الحيطان، يقوم على رجليه ويلطم صاحبه (2).
وقيل: كان أحمد بن عبد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم. فجرى يوما في مجلسه ذكر العلوية ومذاهبهم، وكان كثير التعصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام)، فقال: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه وكثرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك كانت حاله للناس.
فكنت يوما عند أبي إذ دخل حجابه فقالوا: أبو محمد ابن الرضا بالباب. فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجبت مما سمعت منهم ومن جسارتهم أن يكنوا أحدا