الأنصاري، عن أبيه قال: صحبت كعب الأحبار وهو يريد الاسلام فلم أر رجلا لم ير رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أوصف له من كعب، ولقد وصف لنا حالاته وأخلاقه وقال: هذه سنة موته.
فلما كنا ببعض الطريق ذات ليلة جعل يكثر الدخول والخروج والنظر في السماء، فلما أصبح قلنا له: يا أبا إسحاق لقد رأينا منك عجبا؟
قال: فاستعبر باكيا وقال: قبض في هذه الليلة محمد (صلى الله عليه وآله):
قال: فأعجبني كلامه، فودعني وانصرف راجعا. فلم أره حتى قبض أبو بكر.
فلما كان في خلافة عمر قدم علينا بالمدينة فبلغني قدومه، فأتيته فسلمت عليه، فعرفني، فأدناني وقربني.
قال: فجعلت أحدث الناس بما كان وصف كعب من صفة النبي (عليه السلام).
قال: فعجبوا من ذلك وقالوا: إن كعب الأحبار ساحر.
فلما سمع مقالتهم قال: الله أكبر، الله أكبر، والله ما أنا بساحر، ثم أخرج من مزودته سفطا صغيرا من در أبيض عليه قفل من الذهب مختوما بخاتم، ففض الخاتم فأخرج منه حريرة خضراء مطوية طيا شديدا فقال: هل تدرون ما هذه الحريرة؟ قالوا: لا.
قال: هذه صفات محمد ونعته وأخلاقه (صلى الله عليه وآله).
قال: فقلنا: يا أبا إسحاق فحدثنا رحمك الله بنبذ من خلقه (عليه السلام).
قال: نعم، إن الله لما أراد أن يخلق سيد ولد آدم محمدا (صلى الله عليه وآله) أمر جبرئيل (عليه السلام) أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي هي قلب الأرض ونور الأرض.
قال: فهبط جبرئيل (عليه السلام) في ملائكة الفراديس المقربين الكروبيين وملائكة الصفح الأعلى، فقبض قبضة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من موضع قبره، وهي يومئذ بيضاء نقية، فعجنت بماء التسنيم، ورعرعت حتى جعلت كالدرة البيضاء، ثم غمست في كل أنهار الجنة وطيف بها في كل السماوات والأرض والبحار.
قال: فعرفت الملائكة محمدا وفضله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يعرف آدم (عليه السلام).