الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٩٥
قال: فلبث بضع عشر شهرا يدعو ويبايع، وخرج يوم الأربعاء غرة صفر سنة اثنتي وعشرين ومائة، وعلى العراقين يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي من قبل هشام بن عبد الملك، فخرج على أصحابه وهو على برذون أشهب في قباء أبيض تحته درع وبين يدي قربوسه مصحف منشور وقال: سلوني فوالله ما تسألوني عن حلال وحرام ومتشابه وناسخ ومنسوخ وأمثال وقصص إلا أنبأتكم به، والله ما وقفت هذا الموقف إلا وأنا اعلم أهل بيتي بما يحتاج إليه هذه الأمة.
ولما خفقت راياته رفع يديه إلى السماء ثم قال: الحمد لله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أنى لقيت محمدا (صلى الله عليه وآله) ولم آمر أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) أنه أججت لي نار ثم قذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت محرما منذ عرفت أن الله يؤاخذني عليه، هلموا فسلوني.
قال: ثم سار حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام كانوا بها، ثم سار إلى الجبانة ويوسف بن عمر بن أبي عقيل مع أصحابه على التل، فشد بالجمع الذي معه على زيد وأصحابه.
فقال أبو معمر: فرأيت زيدا قد شد عليهم كأنه الليث حتى قتلنا منهم أكثر من ألفي رجل ما بين الحيرة والكوفة وتفرقنا فرقتين، وكنا من أهل الكوفة أشد منا لأهل الشام.
قال أبو معمر: فلما كان يوم الخميس فارقنا جماعة من أصحابنا فتبعناهم فقتلنا منهم أكثر من مائتي رجل. فلما جن عليه الليل وكانت ليلة الجمعة كثر فينا الجراح واستبان فينا القتل، وجعل زيد يدعو وقال: اللهم هؤلاء يقاتلون عدوك وعدو رسولك ودينك الذي ارتضيته لعبادك فاجزهم أفضل ما جزيت به أحدا من عبادك المؤمنين.
(٥٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 590 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 ... » »»