الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٤٢٥
ابن عمير، عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض فيه النبي (صلى الله عليه وآله). وجاء رجل باك وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: رحمك الله أبا حسن كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأحوطهم على رسول الله، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا وأشرفهم منزلة، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، وألزمت منهاج رسوله إذ هم أصحابه. كنت خليفة حقا لم تنازع ولم تضرع (1) برغم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين، فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذا وقفوا، فاتبعوك فهدوا. وكنت أخفضهم صوتا وفرقا، وأقلهم كلاما، وأصوبهم منطقا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم نفسا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور. وكنت والله للدين يعسوبا، أولا حين تفرق (2) الناس وآخرا حين فشلوا. كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ (3) اختضعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت للكافرين عذابا صبا وللمؤمنين غيثا وخصبا، فطرت والله نعماها، وفزت بجناها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائها، لم يقلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجش نفسك، ولم تجر. كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا يزيله العواصف، وكنت كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله عز وجل،

(1) في الأصل: لم ينازع ولم يضرع.
(2) في الأصل: يفرق.
(3) في الأصل: إذا.
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»