ملتمسين منه نزوله على حكم بن زياد أو بيعته ليزيد، فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد، ويصعد الأرواح إلى المحل الأعلى ويصرع الأشباح على الصعيد، فتبعت نفسه الأبية جدها وأباها، وعزفت عن التزام الدنية فأباها، ونادته النخوة الهاشمية فلباها، ومنحها الإجابة إلى مجانبة الذلة وحباها، فاختار مجالدة الجنود ومضاربة ضباها، ومصادمة صوارمها وشيم شباها، ولا يذعن لوصمة تسم بالصغار من شرفه (1) خدودا وجباها، وقد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه وطاوعوه وبايعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه، فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه، وأنكروه وجحدوه ومالوا إلى السحت العاجل فعبدوه، وخرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه، فنصب (عليه السلام) نفسه وإخوته وأهله وكانوا نيفا وثمانين لمحاربتهم (2) واختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم، ليزيد ومبايعتهم، فأعلقتهم الفجرة الطغاة، وأرهقتهم المردة اللئام، ورشقتهم النبال والسهام، وأوثقتهم من شبا شفارهم الكلام.
هذا والحسين (عليه السلام) ثابت لا تخف حصاة شجاعته، ولا تخف عزيمة شهامته، وقدمه في المعترك أرسى من الجبال، وقلبه لا يضطرب لهول القتال، ولا لقتل الرجال، وقد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما، وأذاقوهم من الحمية الهاشمية رهقا وكلما، ولم يقتل من العصابة الهاشمية قتيل حتى أثخن في قاصديه وقتل واغمد ظبة في أبشارهم وجدل فحينئذ تكالبت طغام الأجناد على الجلاد، وتناشبت الأجلاد في المنازلة بالحداد، ووثبت كثرة الألوف منهم على قلة الآحاد، وتقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة على العباد، فاستبقت الأملاك البررة إلى الأرواح وباء الفجرة بالآثام في الأجساد، فسقطت أشلاؤهم المتلاشية على الأرض صرعى تصافح منها صعيدا، ونطقت حالهم بأن لقتلهم يوما تود لو