تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٣٣
(قلنا) لم ينزه الله تعالى نفسه عن هذا الاشراك، وإنما نزهها عن الاشراك به، وليس يمتنع أن ينقطع هذا الكلام عن حكم الأول، ويكون غير متعلق به، لأنه تعالى قال: ﴿أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون﴾ (1) فنزه نفسه تعالى عن هذا الشرك دون ما تقدم، وليس يمتنع انقطاع اللفظ في الحكم عما يتصل به في الصورة، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب (2)، لأن من عادة العرب أن يراعوا الألفاظ أكثر من مراعاة المعاني، فكأنه تعالى لما قال جعلا له شركاء فيما آتاهما، وأراد الاشتراك في طلب الولد، جاء بقوله تعالى عما يشركون على مطابقة اللفظ الأول، وإن كان الثاني راجعا إلى الله تعالى، لأنه يتعالى عن اتخاذ الولد وما أشبهه. ومثله قول النبي قد سئل عن العقيقة فقال: " لا أحب العقوقة، ومن شاء منكم أن يعق عن ولده فليفعل ". فطابق اللفظ وإن أختلف المعنيان وهذا كثير في كلامهم.
فأما ما يدعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه، لأن الأخبار يجب أن تبنى على أدلة العقول، ولا تقبل في خلال ما تقتضيه أدلة العقول.
ولهذا لا تقبل أخبار الجبر والتشبيه، ونردها أو نتأولها إن كان لها مخرج سهل. وكل هذا لو لم يكن الخبر الوارد مطعونا على سنده مقدوحا في طريقه، فإن هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع، لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا في قول البغداديين. وقد يدخل الوهن على هذا الحديث من وجه آخر، لأن الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما

(١) الأعراف ١٩١ (2) في نسخة زيادة هكذا قال الشريف المرتضى في قوله تعالى: (جعلا له شركاء فيما أتاهما فتعالى الله عما يشركون).
فايدة: إذا كان الثاني غير الأول لأن من عاده: الخ.
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست