نحن وأنتم (1).
وبهذا الحزم من عميد الهاشميين أبي طالب، قبرت فكرة قتل النبي (ص) في أذهان زعماء قريش، ففكرت في سلوك طرق أخرى لإيذاء النبي وإجهاض دعوته، دون إراقة دماء.
ومن المهازل حقا التي تثير القرف في النفس البشرية أن بعض القوى التي سيطرت على مقاليد الدولة الإسلامية فيما بعد: صورت أبا طالب بصورة المشرك، ووضعته في ضحضاح من النار - على حد تعبير الراوي الوحيد لهذا الخبر، وهو راو مشهور بكراهيته لبني هاشم -، وزورت وأنكرت كفاحه المجيد، وأنكرت جهاده وجهاد أولاده وأحفاده وفضلهم، وفرضت مسبتهم ولعنهم على المنابر، ولم تقبل شهادة من يواليهم، فعادت وليهم ووالت عدوهم... الخ (2).
بعد فشل الحصار والمقاطعة لم تتوقف قريش عن ملاحقة النبي ومراقبة تحركاته، عندها قررت أن محمدا (ص) قد تجاوز الخط المألوف، وأنه قد بدأ مرحلة خطيرة، فإذا نجح بالهجرة إلى يثرب فسيستقطب حوله الأكثرية من أهلها، ومن حولها من قبائل العرب، عندئذ ستصبح النبوة الهاشمية حقيقة واقعة، ويذهب الهاشميون بفخر النبوة بين العرب دون سائر البطون، وعلى ضوء هذا التنظير عقدت زعامة بطون قريش الثلاثة والعشرين اجتماعا موسعا في دار الندوة واتفق المجتمعون على أن قتل محمد هو الحل، وقرروا اختيار عدد من فتية بطون قريش يمثل كل فتى منهم عشيرته، ليشتركوا جميعا بقتله ولتكوين جبهة متراصة ضد الهاشميين، لكن الله دفع مكرهم ورد كيدهم، بعد أن استخلف ابن عمه علي بن أبي طالب (ع) في فراشه، فقد أشار الله تعالى بقوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (3).
الهاشميون بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة.
طوال الفترة التي قضاها النبي في مكة المكرمة بعد النبوة وقبل الهجرة إلى المدينة المنورة، والهاشميون بحالة تعبئة عامة من الدرجة القصوى وبحالة مواجهة دائمة مع بطون قريش... وقد كان واضحا أنه ليس من الحكمة تفريغ مكة من الهاشميين، والأجدى والأنفع أن يبقى