عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٨٧
وكانت في الزمن الأول عدة دور مختصرة يسكنها أهل الرفاهية من أهالي البلد وكان بها بيت البكرية القديم بالناحية الجنوبية تجاه زاوية جدهم الشيخ جلال الدين البكري وكان الناس يرغبون في سكناها لطيب هوائها وانكشاف الريح البحري بها وليس في اتجاهها من البر الآخر سوى الأشجار والمزارع ويعبرها المراكب والسفائن والقنج في أيام النيل بالمتفرجين والمتنزهين وأهل الخلاعة بمزامرهم ومغانيهم ولصدى أصواتهم المطربة طرب آخر فلما انقشع عنها السكان تداعت الدور إلى الخراب وبقيت مسكنا للبوم والغراب مدة إقامة الفرنساوية فلما حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولى وذلك سنة اربع عشرة ومائتين والف وانقض الصلح بينه وبين الفرنساوية وحصلت المفاقمة ووقعت الحروب داخل البلدة واحتاطت الفرنساوية بجهات البلد وجرى ما تقدم ذكره في الحوادث السابقة وكان طائفة من الفرنساوية اتوا إلى هذه البركة وملكوا التل المعروف بتل أبو الريش واخذوا يرمون بالمدافع والقنابر على أهل باب الشعرية وتلك النواحي فما انجلت الحروب حتى خربت بيوت البركة وما كان بتلك النواحي من الدور التي بظاهرها وبقيت كيمانا فحسن ببال السيد المذكور ان يجعل له سكنا هناك فاحتكر أراضي تلك المساكن من أربابها من مدة سابقة ثم تكاسل عن ذلك واشتغل بتوسعة دار سكنه التي بخطة الفحامين محل دكة الحسبة القديمة حتى أتمها على الوضع الذي قصده ثم شرع في السنة الماضية في انشاء سكن لخصوص نزاهته فشرع في تنظيف الأتربة واصلاح الأرض وأنشأ دار متسعة وقيعانا وفسحات وهي مفروشة بالرخام وحولها بستان وغرس به أنواع الأشجار ودوالي الكروم وهي بمكان حسن كتخدا وما كان على سمته من الدور نحو الثلاثين وأنشأ كاتبة السيد عمر الحسيني دارا عظيمة لخصوصه اخذ فيها باقي أراضي الأماكن وزخرفها وانتقل إليها بأهله وعياله وجعلها دارا لسكناه صيفا وشتاء وبنيا خارج ظاهرها حائطا يكون لدورهما سورا وعملا بها
(٥٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 582 583 584 585 586 587 588 589 590 591 592 ... » »»