عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٥٨
معلول من طبيعتهم التقليد والرغبة في الوارد الغريب فتكاثروا وتزاحموا عليهم فجمعوا في الأيام القليلة جملة من الدراهم واستلطف الناس طريقتهم هذه بخلاف ما يفعله الذي يدعون التطبيب من الإفرنج واصطلاحهم إذا دعى الواحد منهم لمعالجة المريض فأول ما يبدأ به نقل قدمه بدراهم يأخذها اما ريال فرانسة أو أكثر بحسب الحال والمقام ثم يذهب إلى المريض فيجسه ويزعم أنه عرف علته ومرضه وربما هول على المريض داءه وعلاجه ثم يقاول على سعيه في معالجته بمقدار من الفرانسة اما خمسين أو مائة أو أكثر بحسب مقام العليل ويطلب نصف الجعالة ابتداء ويجعل على كل مرة من التردادات عليه جعالة أيضا ثم يزاوله بالعلاجات التي تجددت عندهم وهي مياه مستقطرة من الأعشاب أو ادهان كذلك يأتون بها للمرضى في قوارير الزجاج اللطيفة في المنظر يسمونها بأسماء بلغاتهم ويعربونها بدهن البادزهر واكسير الخاصة ونحو ذلك فإن شفى الله العليل اخذ منه بقية ما قاوله عليه أو اماته طالب الورثة بباقي الجعالة وثمن الأدوية طبق ما يدعيه وإذا قيل له انه قد مات قال في جوابه اني لم اضمن اجله وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر وفيهم من جعل له في كل يوم عشرة من الفرانسة وفيه رأى رايه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري إلى بركة عميقة تحفر أيضا بالإسكندرية تسير فيها السفن بالغلال وغيرها ومبدؤها من مبدأ خليج الاشرفية عند الرحمانية فطلب لذلك خمسين الف فاس ومسحة يصنعها صناع الحديد وامر بجمع الرجال من القرى وهم مائة الف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة وبرزت الأوامر بذلك فارتبك امر الفلاحين ومشايخ البلاد لأن الامر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم فشرعوا في التشهيل وما يتزودون به في البرية ولا يدرون مدة الإقامة فمنهم من يقدرها بالسنة ومنهم بأقل أو أكثر واستهل شهر رجب بيوم الاحد سنة 1232 في ثانيه يوم الاثنين الموافق لثاني عشر بشنس القبطي وسابع آيار الرومي
(٥٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 ... » »»