عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٤٨
والمعادلة في غالب الأصناف فإن العادة عند اقبال وجود الفاكهة أو الخضراوات تباع بأغلى ثمن لعزتها وقلتها حينئذ وشهوة الطباع واشتياق النفوس لجديد الأشياء وزهدها في القديم الذي تكرر استعماله وتعاطيه كما يقال لكل جديد لذة فلم يراعوا ذلك ولم ينظروا في أصول الأشياء أيضا فإن غالب الأصناف داخل في المحتكرات وزيادة المكوس الحادثة في هذه السنين وما يضاف إلى ذلك من طمع الباعة والسوقة وغشهم وقبحهم وعدم ديانتهم وخبث طباعهم فلما نودي بذلك وسمع الناس رخص المبيعات ظنوا بغفلتهم حصول الرخاء ونزلوا على المبيعات مثل الكلاب السعرانة وخطفوا ما كان بالأسواق بموجب التسعيرة من اللحم وأنواع الخضراوات والفاكهة والادهان فلما أصبح اليوم الثاني لم يوجد بالأسواق شئ من ذلك وأغلقت الفكهانية حوانيتهم واخفوا ما عندهم وطفقوا يبيعونه خفية وفي الليل بالثمن الذي يرتضونه والمحتسب يكثر الطواف بالأسواق ويتجسس عليهم ويقبض على من أغلق حانوته أو وجدها خالية أو عثر عليه انه باع بالزيادة وينكل بهم ويسحبهم مكشوفين الرؤوس مشنوقين وموثقين بالحبال ويضربهم ضربا مؤلما ويصلبهم بمفارق الطرق مخزومين الأنوف ومعلق فيها النوع المزاد في ثمنه فلم يرتجعوا عن عادتهم ثم إن هذه المناداة والتسعيرة ظاهرها الرفق بالرعية ورخص الأسعار وباطنها المكر والتحيل والتوصل لما سيظهر بعد عن قريب وذلك أن ولي الأمر لم يكن له من الشغل الا صرف همته وعقله وفكرته في تحصيل المال والمكاسب وقطع أرزاق المسترزقين والحجر والاحتكار لجميع الأسباب ولايتقرب اليه من يريد قربه الا بمساعدته على مراداته ومقاصده ومن كان بخلاف ذلك فلا حظ له معه مطلقا ومن تجاسر عليه من الوجهاء بنصح أو فعل مناسب ولو على سبيل التشفع حقد عليه وربما أقصاه وابعده وعاداه معاداة من لايصفوا ابدا وعرفت طباعه واخلاقه في دائرته وبطانته فلم يمكنهم الا الموافقة والمساعدة في مشروعاته اما رهبة أو خوفا على سيادتهم ورياستهم
(٥٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 ... » »»