عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٤٣٠
ولما قدمت الفرنساوية إلى الديار المصرية في أوائل سنة ثلاث عشرة ومائتين والف لم يتعرضوا له في شئ وراعوا جانبه وافرجوا عن تعلقاته وقبلوا شفاعاته وتردد اليه كبيرهم وأعاظمهم وعمل لهم ولائم وكنت اصاحبه في الذهاب إلى مساكنهم والتفرج على صنائعهم ونقوشهم وتصاويرهم وغرائبهم إلى أن حضر ركب العثمانيين في سنة خمسة عشرة وحصلت بينهم المصالحة على انتقال الفرنساوية من ارض مصر ورجوعهم إلى بلادهم على شروط اشترطوها بينهم وبين وزير الدولة العثمانية ومنها حسابات تدفع إليهم وأخرى تخصم عليهم وظن المترجم وخلافه اتمام الامر والارتحال لا محالة فعند ذلك لحقه الطمع فذكوا مصلحة دفعها لكاتب جيشهم في نظير الافراج عن تعلقاته وارسل يطلبها من بوسليك مدبر الجمهور وكذلك ما قبضه ترجمانه فقال هذه عوائد لا بد منها ودخلت في حساب الجمهور وتغير خاطرهم منه وكانت منه هفوة ترتب عليها بينهم وبينه الجفوة ولما انتقض الصلح وحصلت المفاقمة ووقعت المحاربة في داخل المدينة وتترست العساكر الاسلامية وأهل البلد في النواحي والجهات وانقطع الجالب عن أهل البلد مدة ستة وثلاثين يوما التزم أغنياء الناس وأصحاب المظاهر الاطعام والانفاق على المحاربين والمقاتلين في جهتهم ونواحيهم والتزم المترجم كغيره الانفاق على من حوله فلما انقضت أيام المحاربة وانتصر الفرنساوية ورجع الوزير ومن معه إلى جهة الشام منهزمين فعند ذلك انتقم الفرنساوية من المبارزين لهم بأخذ المال بدلا عن الأرواح وقبضوا على المترجم وحبسوه وأهانوه أياما وفرضوا عليه قدرا عظيما من المال قام بدفعه كما ذكرنا ذلك مفصلا في محله وقيل أن الذي زاد الفرنساوية اغراء به مراد بك حين اصطلح معهم وعمل لهم ضيافة ببر الجيزة وسببه انه لما دهمت الفرنساوية وطلعوا الإسكندرية ووصل الخبر إلى مصر اجتمع الامراء بالمساطب وطلبوا المشايخ ليشاوروا في هذا الحادث فتكلم المترجم وخاطبهم بالتوبيخ وقال كل هذا سوء
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»