عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ١٤٩
أواخر سنة خمس ومائتين بعد الألف بعد الطاعون الذي مات فيه إسماعيل بك وذلك بعد اقامتهم بالصعيد زيادة عن اربع سنوات ففي تلك المدة ترزن عقله وانهضمت نفسه وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر في جزيئات العلوم والفلكيات والهندسيات واشكال الرمل والزايرجات والاحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر وانوائها ويسأل عمن له المام بذلك فيطلبه ليستفيد منه واقتنى كتبا في أنواع العلوم والتواريخ واعتكف بداره القديمة ورغب في الانفراد وترك الحالة إلي كان عليها قبل ذلك واقتصر على مماليكة والاقطاعات التي بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان فثقل هذا الامر على أهل دائرته وبدا يصغر في أعين خشداشينه ويضعف جانبه وطفقوا يباكتونه وتجاسروا عليه وطمعوا فيما لديه وتطلع أدونهم للترفع عليه فلم يسهل به ذلك واستعمل الامر الأوسط وسكن بدار احمد جاويش المجنون يدرب سعادة وعمر القصر الكبير بمصر القديمة بشاطئ النيل تجاه المقياس وأنشأ أيضا قصرا فيما بين باب النصر والدمرداش وجعل غالب اقامته فيهما وأكثر من شراء المماليك وصار يدفع فيهم الأموال الكثيرة للجلابين ويدفع لهم أموالا مقدما يشترونها بها وكذلك الجواري حتى اجتمع عنده نحو الألف مملوك خلاف الذي عند كشافه وهم نحو الأربعين كاشفا الواحد منهم دائرته قدر دائرة صنجق من الامراء السابقين وكل مدة قليلة يزوج من يختاره من مماليكه لمن تصلح له من الجواري ويجهزهم بالجهاز الفاخر ويسكنهم الدور الواسعة ويعطيهم الفائظ والمناصب وقلد كشوفية الشرقية لبعض مماليكه ترفعا لنفسه عن ذلك وينزل هو إليهم أيضا على سبيل التروح وبنى له قصرا خارج بلبيس وآخر بالدمامين واخمد شوكة عربان الشرق وجبى منهم الأموال والجمال واخمد ناموسهم الذي كان يغشى أبدان الفلاحين وأرواحهم واضعف شوكتهم واخفى صولتهم وكان يقيم بناحية الشرق شهورا ثلاثة أو أربعة ثم يعود إلى مصر واصطنع قصرا من خشب مفصلا قطعا ويركب بشناكل واغربة متينة قوية
(١٤٩)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»