إلى البيوت الصغار التي لا يعرفها احدوا ستمروا طول الليالي ينقلون الأمتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد الأرياف وأخذوا أيضا في تشهيل الأحمال واستحضار دواب للشيل وأدوات الارتحال فلما رأى أهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الأغنياء وأولوا المقدرة للهروب ولولا أن الامراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من أراد النقلة لما بقي بمصر منهم أحد وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فاغلق الناس الدكاكين والأسواق وخرج الجميع لبر بولاق قكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خياما أو يجلسون في مكان خرب أو مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون له من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالانفاق على البعض الآخر ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والاكل وغير ذلك بحيث ان جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بانفاق أموالهم فلم يشح في ذلك الوقت أحد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وأرباب الاشاير بالطبول والزمور واعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرن باذكار مختلفة وصعد السيد عمر أفندي نقيب الاشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وامامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر فإنها باقية خالية الطرق لا تجد بها أحدا سوى النساء في البيوت والصغار وضعفاء الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فإنهم مستترون مع النساء في بيوتهم والأسواق مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث بيع الرطل البارود بستين نصفا والرصاص بتسعين وغلا جنس أنواع السلاح
(١٨٦)