العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك ويقولون لهم ان الرسول والصحابة والمجاهدين انما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب لا برفع الأصوات والصراخ النباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الامراء والاجناد من العرض الشرقي ومنهم إبراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية إلى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدا فلم يصلوا إلى البر الاخر حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أحد ان يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب الهزيمة كما هو منصوص عليه ثم إن الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفة وامامه ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الاسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس ان الأرض تزلزلت والسماء عليها سقطت واستمر الحرب والقتال نحو ثلاث أرباع ساعة ثم كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لإحاطة العدو بهم وظلام الدنيا والبعض وقع أسيرا في أيدي الفرنسيين وملكوا المتاريس وفر مراد بك ومن معه إلى الجيزة فصعد إلى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب إلى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والأمتعة والأسلحة والفرس ملقاة على الأرض ببرانبابة تحت الأرجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف بالاغا وأخوه إبراهيم بك الوالي فاما سليمان بك فنجا وغرق إبراهيم بك الصغير وهو صهر إبراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول
(١٨٩)