تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٢٣
(وأما ثمود) وهم بنو ثمود بن كاثر بن ارم فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشأم وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال ويقال لان أعمارهم كانت تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم فنحتوها لذلك في الصخر وهي لهذا العهد وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها كما في الصحيح وفيه إشارة إلى أنها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل ويشهد ذلك ببطلان ما يذهب إليه القصاص ووقع مثله للمسعودي من أن أهل تلك الأجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول والعظم وهذه البيوت المشاهدة المنسوبة إليهم بكلام الصادق صلوات الله عليه يشهد بأنهم في طولهم وعظم حجراتهم مثلنا سواء فلا أقدم من عادوا أهل أجيالهم فيما بلغنا ويقال ان أول ملوكهم كان عابر بن ارم بن ثمود ملك عليهم مائتي سنة ثم كان من بعده جندع بن عمرو بن الدبيل بن ارم بن ثمود ويقال ملك نحوا من ثلثمائة سنة وفي أيامه كانت بعثة صالح عليه السلام وهو صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود وكانوا أهل كفر وبغى وعبادة أوثان فدعاهم صالح إلى الدين والتوحيد قال الطبري فلما جاءهم بذلك كفروا وطلبوا الآيات فخرج بهم إلى هضبة من الأرض فتمخضت عن الناقة ونهاهم أن يتعرضوا لها بعقر أو هلكة وأخبرهم مع ذلك انهم عاقروها ولابد ورأس عليهم قدار بن سالف وكان صالح وصف لهم عاقر الناقة بصفة قدار هذا ولما طال النذير عليهم من صالح سئموه وهموا بقتله وكان يأوى إلى مسجد خارج ملائهم فكمن له رهط منهم تحت صخرة في طريقه ليقتلوه فانطبقت عليهم وهلكوا وحنقوا ومضوا إلى الناقة ورماها قدار بسهم في ضرعها وقتلها ولجأ فصيلها إلى الجبل فلم يدركوه وأقبل صالح وقد تخوف عليهم العذاب فلما رآه الفصيل أقبل إليه ورغا ثلاث رغا آت فأنذرهم صالح ثلاثا وفي صبح الرابعة صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا جاثمين وهلك جميعهم حيث كانوا من الأرض الا رجلا كان في الحرم منعه الله من العذاب قيل من هو يا رسول الله قال أبو رغال ويقال ان صالحا أقام عشرين سنة ينذرهم وتوفى ابن ثمان وخمسين سنة وفي الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في غزوة تبوك بقرى ثمود فنهى عن استعمال مياههم وقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم اه‍ كلام الطبري (وقال الجرجاني) كان من ملوكهم دوبان بن يمنع ملك الإسكندرية وموهب بن مرة بن رحيب وكان عظيم الملك وأخوه هوبيل بن مرة كذلك وفيما ذكره المفسرون انهم أول من نحت الجبال والصخور وانهم بنوا ألفا وسبعمائة مدينة وفي هذا ما فيه ثم هبوا بما كسبوا ودرجوا في الغابرين وهلكوا ويقال ان من بقاياهم أهل الرس الذين كان نبيهم حنظلة بن صفوان وليس
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 23 24 25 27 28 30 ... » »»