تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٦٣
الأفعال كلها إليه وأفرده به كما قدمناه وعرفنا أن في هذا الايمان نجاتنا عند الموت إذا حضرنا لم يعرفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود وهو إذ ذاك متعذر على إدراكنا ومن فوق طورنا فكلفنا أولا اعتقاد تنزيهه في ذاته عن مشابهة المخلوقين وإلا لما صح أنه خالق لهم لعدم الفارق على هذا التقدير ثم تنزيهه عن صفات النقص وإلا لشابه المخلوقين ثم توحيده بالاتحاد وإلا لم يتم الخلق للتمانع ثم اعتقاد أنه عالم قادر فبذلك تتم الأفعال شاهد قضيته لكمال الاتحاد والخلق ومريد وإلا لم يخصص شئ من المخلوقات ومقدر لكل كائن وإلا فالإرادة حادثة وأنه يعيدنا بعد الموت تكميلا لعنايته بالايجاد ولو كان لامر فإن كان عبثا فهو للبقاء السرمدي بعد الموت ثم اعتقاد بعثة الرسل للنجاة من شقاء هذا المعاد لاختلاف أحواله بالشقاء والسعادة وعدم معرفتنا بذلك وتمام لطفه بنا في الايتاء بذلك وبيان الطريقين وأن الجنة للنعيم وجهنم للعذاب هذه أمهات العقائد الايمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثير وعن تلك الأدلة أخذها السلف وأرشد إليها العلماء وحققها الأئمة إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والناظر والاستدلال بالعقل وزيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلام ولنبين لك تفصيل هذا المجمل وذلك أن القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظاهر الدلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب كلها وصريحة في بابها فوجب الايمان بها ووقع في كلام الشارع صلوات الله عليه وكلام الصحابة والتابعين تفسيرها على ظاهرها ثم وردت في القرآن آي أخرى قليلة توهم التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل وهذا معنى قول الكثير منهم إقرأوها كما جاءت أي آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والاذعان له وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظواهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد وأوضح دلالة لان معقولية الجسم تقتضي النقص والافتقار وتغليب
(٤٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 ... » »»