تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٦٢
معه صغيرة ولا كبيرة إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين قال صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وفي حديث هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله فقال في أصحابه هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه قال لا قال وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب ومعناه أن ملكة الايمان إذا استقرت عسر على النفس مخالفتها شأن الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة والفطرة وهذه هي المرتبة العالية من الايمان وهي في المرتبة الثانية من العصمة لان العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا وهذه حاصلة للمؤمنية حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم وبهذه الملكة ورسوخها يقع التفاوت في الايمان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف وفي تراجم البخاري رضي الله عنه في باب الايمان كثير منه مثل أن الايمان قول وعمل ويزيد وينقص وأن الصلاة والصيام من الايمان وأن تطوع رمضان من الايمان والحياء من الايمان والمراد بهذا كله الايمان الكامل الذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعلي وأما التصديق الذي هو أول مراتبه فلا تفاوت فيه فمن اعتبر أوائل الأسماء وحمله على التصديق منع من التفاوت كما قال أئمة المتكلمين ومن اعتبر أواخر الأسماء وحمله على هذه الملكة التي هي الايمان الكامل ظهر له التفاوت وليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الأولى التي هي التصديق إذ التصديق موجود في جميع رتبه لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الايمان وهو المخلص من عهدة الكفر والفيصل بين الكافر والمسلم فلا يجزي أقل منه وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنما التفاوت في الحال الحاصلة عن الاعمال كما قلناه فافهم واعلم أن الشارع وصف لنا هذا الايمان الذي في المرتبة الأولى الذي هو تصديق وعين أمورا مخصوصة كلفنا التصديق بها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الاقرار بألسنتنا وهي العقائد التي تقررت في الدين قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الايمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وهذه هي العقائد الايمانية المقررة في علم الكلام. ولنشر إليها مجملة لتتبين لك حقيقة هذا الفن وكيفية حدوثه فنقول. إعلم أن الشارع لما أمرنا بالايمان بهذا الخالق الذي رد
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»