تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٣٠
سليم ورياح وبعد ذلك ظهر ناس بهذه الدعوة يتشبهون بمثل ذلك ويلبسون فيها وينتحلون اسم السنة وليسوا عليها إلا الأقل فلا يتم لهم ولا لمن بعدهم شئ من أمرهم. انتهى الفصل الثالث والخمسون في ابتداء الدول والأمم وفي الكلام على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر إعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوق إلى عواقب أمورهم وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا ومعرفة مدد الدول أو تفاوتها والتطلع إلى هذا طبيعة مجبولون عليها ولذلك تجد الكثير من الناس يتشوقون إلى الوقوف على ذلك في المنام والاخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من الملوك والسوقة معروفة ولقد نجد في المدن صنفا من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه فينتصبون لهم في الطرقات والدكاكين يتعرضون لمن يسألهم عنه فتغدو عليهم وتروح نسوان المدينة وصبيانها وكثير من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم في الكسب والجاه والمعاش والمعاشرة والعداوة وأمثال ذلك ما بين خط في الرمل ويسمونه المنجم وطرق بالحصي والحبوب ويسمونه الحاسب ونظر في المرايا والمياه ويسمونه ضارب المندل وهو من المنكرات الفاشية في الأمصار لما تقرر في الشريعة من ذم ذلك وإن البشر محجوبون عن الغيب إلا من أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية وأكثر ما يعتني بذلك ويتطلع إليه الأمراء والملوك في آماد دولتهم ولذلك انصرفت العناية من أهل العلم إليه وكل أمة من الأمم يوجد لهم كلام من كاهن أو منجم أو ولي في مثل ذلك من ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بها وما يحدث لهم من الحرب والملاحم ومدة بقاء الدولة وعدد الملوك فيها والتعرض لأسمائهم ويسمى مثل ذلك الحدثان وكان في العرب الكهان والعرافون يرجعون إليهم في ذلك وقد أخبروا بما سيكون للعرب من الملك والدولة كما وقع لشق وسطيح في تأويل رؤيا ربيعة بن نصر من ملوك اليمن أخبرهم بملك الحبشة بلادهم ثم رجوعها إليهم ثم ظهر الملك والدولة للعرب من بعد ذلك وكذا
(٣٣٠)
مفاتيح البحث: الحرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»