تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٩٦
في كتاب السير وغيره فإذ ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب وعلمنا أن الشارع لا يخص الاحكام بجيل ولا عصر ولا أمة علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية فرددناه إليها وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية وهي وجود العصبية فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها ليستتبعوا من سواهم وتجتمع الكلمة على حسن الحماية ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية إذ الدعوة الاسلامية التي كانت لهم كانت عامة وعصبية العرب كانت وافية بها فغلبوا سائر الأمم وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة وإذا نظرت سر الله في الخلافة لم تعد هذا لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة عليه ألا ترى ما ذكره الإمام ابن الخطيب (1) في شأن النساء وأنهن في كثير من الأحكام الشرعية جعلن تبعا للرجال ولم يدخلن في الخطاب بالوضع. وإنما دخلن عنده بالقياس وذلك لما لم يكن لهن من الامر شئ وكان الرجال قوامين عليهن اللهم إلا في العبادات التي كل أحد فيها قائم على نفسه فخطابهن فيها بالوضع لا بالقياس ثم إن الوجود شاهد بذلك فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب عليهم وقل أن يكون الآمر الشرعي مخالفا للامر الوجودي والله تعالى أعلم الفصل السابع والعشرون في مذاهب الشيعة في حكم الإمامة إعلم أن الشيعة لغة هم الصحب والاتباع ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على اتباع علي وبنيه رضي الله عنهم ومذهبهم جميعا متفقين عليه أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة ويتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين وقاعدة الاسلام ولا يجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الامام لهم ويكون معصوما من الكبائر والصغائر وإن

(1) قوله الإمام ابن الخطيب هو الفخر الرازي قاله نصر
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»