ولما ملك الملك الصالح البلاد أعرض عن الأمير فخر الدين واطرحه ثم اعتقله ثم أفرج عنه وأمره بلزوم بيته ثم إنه ألجأته الضرورة إلى ندبه إلى المهمات لما لم يجد من يقوم مقامه فجهزه إلى بلاد الملك الناصر داود فأخذها ولم يترك بيده سوى سور الكرك ثم جهزه لحصار حمص ثم ندبه لقتال الفرنج فاستشهد وكان أول أمره معمما فألزمه الكامل أن يلبس الشربوش وزي الجند فأجابه إلى ذلك وأقطعه منية السودان بالديار المصرية ثم طلب منه ينادمه فأجابه إلى ذلك فأقطعه شبرا فقال ابن البطريق الشاعر (من الطويل) * على منية السودان صار مشربشا * وأعطوه شبرا عندما شرب الخمرا * * فلو ملكت مصر الفرنج وأنعموا * عليه ببيسوس تنصر للأخرى * وقال فيه وفي أخيه عماد الدين وكان يذكر الدرس بالمدرسة التي إلى جانب ضريح الشافعي رضي الله عنه (من الخفيف) * ولدا الشيخ في العلوم وفي الإمرة * بالمال وحده والجاه * * فأمير ولا قتال عليه * وفقيه والعلم عند الله * وقال في عماد الدين (من الخفيف) * جاءني الشافعي عند رقادي * وهو يبكي بحرقة وينادي * * عمروا قبتي لعمري ولكن * هدموا مذهبي بفقه العماد * وكان لهم من الإقطاعات المناصب الدينية منها مدرية الشافعية والمدرسة التي إلى جانب مشهد الحسين رضي الله عنه وخانقاه سعيد السعداء ولم تزل هذه المنصب بأيديهم إلى أن ماتوا وكانت بعد ذلك لولدي عماد الدين وكمال الدين مدة ثم انتزعت منهم ولم يكن للأمير فخر الدين إلا بنت واحدة وكان قدم دمشق ونزل دار أسامة فدخل عليه الشيخ عماد الدين بن النحاس وقال له يا فخر الدين إلى كم يشير إلى تناول الشراب فقال له يا عماد الدين والله لأستبقك إلى الجنة فاستشهد يوم وقعة المنصورة سنة سبع وأربعين وستمائة وتوفي عماد الدين سنة أربع وخمسين فسبقه كما قال إلى الجنة وكان الصالح قد حبسه ثلاثة أعوام وقاسى ضرا شديدا حتى إن كان لا ينام من القمل ثم أخرجه وأنعم عله وجعله نائب السلطنة ولما توفي الصالح ندبوه للسلطنة فامتنع ولو أجاب لتم له الأمر ودبر الملك وأنفق في العساكر
(١٤٦)