وجوهها من الهواء والهوى وحمائهما لم تحمل منه الليالي فخلعت ما لها بالأعناق من الأطواق والنهر قد توقف عن زيادة الغصون فراسلته بالأوراق فقالت العين ما الديار الديار ولا الرياض الرياض ولا المشارع المشارع ولا الحياض الحياض فشمرنا عنها ذيل الإقامة وقلنا للعزم شأنك ومصر دار المقامة فقطعنا بيدا وأي بيد ومنازل تستعبر السيد وتستعبر السيد ورمالا هي الأفاعي خدور وللنسور وكور ولم يصدق فيها تشبيه يقال بالأهلة ولا آثار أخفاف المطي بالبدور تستوقف الساري ويسعى الساعي منها على شفا جرف هار يسقى من المياه ماء يغلي في البطون كغلي الحميم ويكفر شربه شرب الماء البارد الذي قال بعض المفسرين إنه الذي عنى الله تعالى بقوله ولتسألن يومئذ عن النعيم وما زال الشوق بنا والسوق حتى قربا البعيد حتى فلينا بهما الفلاة وأبدنا البيد ودخلنا مصر فتلقانا نيلها مصعرا خده للناس وقلنا هذا الذي خرج إلينا عن المقياس وشاهدنا ربوعها وقد فرشت من الربيع بأحسن بسطها وبدت كل مقطعة من النيل قد زينت بما أبدته من قرطها وتنشقنا رياحها الهابة بما ترتاح إليه الأرواح وشمنا بروق غمائمها التي التي لم تغادر في القلوب من القر قروحا لا تتعقبه لما تلقيه من الماء القراح لا يكلح الجليد أوجه بكرها ولا يهتم المدر ثنايا نهرها ولا يوقظ راقد سمرها ولا تغير على أهلها القوانين ولا يحتاج إلى التدفي في الكوانين بنيران الكوانين كل أوقاتها سحر وآصالها بكر وطول زمانها ربيع لا يشان من اللواقح الكوالح ببرد ولا يشان من النوافح اللوافح بحر غنينت بنيلها الخصم عن كل دان مسف فويق الأرض هيدبه وعن كل نادي ارتداد نحيف العزالة قطربه فلما حصلنا هناك قالت النفس المطمئنة هذه أول أرض مس جلدي ترابها وهذه الجنة وهذا شرابها وإذا بشمس الأمل وقد حلت شرفها بغير الحمل شرفا كريما فاق أحسن الأوفاق وملأ آفاق الأوراق بما رق من الألفاظ الفاضلة وراق فأقبلت العين إلى مرآه لترى وجه البلاغة وجنحت الجوانح الجوارح للتحلي بجواهر تلك الصناعة البديعة الصياغة ومالت الأسماع إلى التشنف بتلك الأسجاع وما تضمنت من إبداع إيداع وترصيع تصريع يعيد سابق هذه الحلبة سكيتا وثنى حبها من حيائه وخجله ميتا فكم رأى المملوك بها منه كوكبا ما عثر جواده بجواده ولا كبا وقال هذا رب الفضل الذي نزع
(١٣٩)