الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ١١ - الصفحة ٢٧٦
* وتزور أبواب الملوك ركابنا * ومتى نحكم في البرية نعدل * قول حسان أن التي ناولتني فرددتها البيتين حدث أبو ظبيان الحماني قال اجتمع قوم على شراب لهم فغناهم مغن بقول حسان إن التي ناولتني فرددتها البيتين فقال بعضهم امرأتي طالق إن لم أسال الليلة عبيد الله بن الحسن القاضي عن علة هذا الشعر لم قال إن التي فوحد ثم قال كلتاهما مثنى فأشفقوا على صاحبهم وتركوا ما كانوا عليه ومضوا يتخطون القبائل حتى انتهوا إلى بني شعرة وعبيد الله بن الحسن يصلي فلما فرغ من صلاته قالوا قد جئناك في أمر دعت إليه ضرورة وشرحوا له أمرهم وسألوه عن الجواب فقال إن التي ناولتني عني بها الخمر الممزوجة بالماء ثم قال من بعد كلتاهما حلب العصير يريد الخمر المتحلبة من العنب والماء المتحلب من السحاب كنى عنه بالمعصرات في قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا قال الحريري صاحب المقامات وقد بقي في الشعرما يحتاج إلى كشف سره أما قوله إن التي ناولتني فرددتها قتلت فإنه خاطب بها الساقي الذي كان ناوله كأسا ممزوجة لأنه يقال قتلت الخمر إذا مزجتها فكأنه أراد أن يعلمه أنه فطن لذلك ثم ما قنع حتى دعا بالقتل في مقابلة المزج وقد أحسن كل الإحسان في تجنيس اللفظ ثم إنه عقب الدعاء عليه بأنه استعطى ما لم يقتل يعني الصرف التي لم تمزج وقوله أرخاهما للمفصل يعني به اللسان وسمي مفصلا بكسر الميم لأنه يفصل بين الحق والباطل وقال النقيب ابن الشجري وهذا التأويل يمنع منه ثلاثة وجوه أحدها أنه قال كلتاهما حلب العصير وكلتا موضوعة لمؤنثين والماء مذكر والتذكير أبدا يغلب على التأنيث كتغليب القمر على الشمس في قول الفرزدق لنا قمراها والنجوم الطوالع وليس للماء اسم آخر مؤنث فيحمل على المعنى كما قالوا أتته كتابي فاحتقرها لأن الكتاب في معنى الصحيفة وكما قال الشاعر من السريع * قامت تبكيه على قبره * من لي من بعدك يا عامر * * تركتني في الدار ذا غربة * قد ذل من ليس له ناصر * وكان الوجه أن يقول ذات غربة وإنما ذكر لأن المرأة إنسان فحمل على المعنى والثاني أنه قال أرخاهما للمفصل وأفعل هذا موضوع للمشتركين في معنى وأحدهما يزيد) على الآخر في الوصف به كقولك زيد أفضل الرجلين فزيد والرجل المضموم إليه مشتركان في الفضل إلا أن فضل زيد يزيد على فضل المقرون به والماء لا يشارك الخمر في إرخاء المفصل والثالث قوله فالخمر عصير العنب وقول حسان حلب العصير يمنع من هذا لأنه إذا كان العصير الخمر والحلب هو الخمر فقد أضيفت الخمرة إلى نفسها والشيء لا يضاف إلى نفسه والصواب أنه أراد كلتا الخمرتين الصرف والممزوجة
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»