قال: وكان إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتعظيم وتوقير، وذكر مناقبهم وكراماتهم، فذكر لي شيخنا ولي الدين علي المقيم ببيت لهيا قال: مرضت بالنقرس فعادني الشيخ محيي الدين، فلما جلس شرع يتكلم في الصبر، فبقي كلما تكلم جعل الألم يذهب قليلا قليلا. فلم يزل يتكلم حتى زال جميع الألم. وكنت لا أنام في الليل، فعرفت أن زوال الألم من بركته.
وقال الشيخ رشيد الدين ابن المعلم. عذلت الشيخ في عدم دخول الحمام، وتضييق عيشه في أكله ولبسه وأحواله، وقلت: أخشى عليك مرضا يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده.
فقال: أن فلانا صام وعبد الله حتى اخضر. فعرفت أنه ليس له غرض في المقام في دارنا هذه، ولا يلتفت إلى ما نحن فيه.
قال: ورأيت رجلا قشر خيارة ليطعمه إياها، فامتنع وقال: أخشى أن ترطب جسمي وتجلب النوم.
قال: وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة بعد العشاء الآخرة. ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر. ولا يشرب الماء المبرد، ولا يأكل فاكهة، فسألته عن ذلك فقال: دمشق كثيرة الأوقاف وأملاك المحجوز عليهم، والتصرف لهم لا يجوز إلا على وجه الغبطة، والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها خلاف والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء لمالك فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك؟
وقال لي شيخنا مجد الدين أبو عبد الله بن الظهير: ما وصل الشيخ تقي الدين ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ محيي الدين من العلم في الفقه والحديث واللغة وعذوبة اللفظ.
فصل وقد نفع الله تعالى الأمة بتصانيفه، وانتشرت في الأقطار، وجلبت إلى