سمعت الأمير الكبير المعروف بالأخضري، وكان قد أسن، يحكي لوالدي قال: كنت مع الملك الكامل لما توجه إلى الشرق، فلما نزلنا بالس قصدنا زيارة الشيخ مع الأمير فخر الدين عثمان، وكنا جماعة من الأمراء، فبينما نحن عنده إذ دخل جندي فقال: يا سيدي، كان لي بغل وعليه خمسة آلاف درهم، فذهب مني، وقد دللت عليك.
فقال له الشيخ: اجلس، وعزة المعبود قد حصرت على آخذه الأرض، حتى ما بقي له مسلك إلا هذا المكان، وهو الآن يدخل، فإذا دخل وجلس أشرت إليك.
فلما سمعنا كلام الشيخ قلنا لا نقوم حتى يدخل هذا الرجل. فبينما نحن جلوس إذ دخل رجل، فأشار الشيخ إليه، فقام الجندي، وقمنا معه، فوجدنا البغل والمال بالباب. فلما حضرنا عند السلطان أخبرناه بما رأينا، فقال: أحب أن أزوره. فقال فخر الدين: البلد لا يحمل دخول مولانا السلطان. فسير إليه فخر الدين فقال: إن السلطان يحب أن يزورك، وإن البلد لا يحمل دخوله، فهل يرى سيدي أن يخرج إليه؟
فقال: يا فخر الدين، إذا رحت أنت إلى صاحب الروم يطيب للملك الكامل؟ فقال: لا. قال: فكذلك أنا إذا رحت إلى عند الملك الكامل لا يطيب لأستاذي. ولم يخرج إليه.
قال الشيخ أبو عبد الله: وبعث إليه الملك الكامل على يد فخر الدين عثمان خمسة عشر ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: لا حاجة لنا بها، أنفقها في جند المسلمين.
وسمعت والدي يقول: لما كان في سنة ثمان وخمسين، وكان الشيخ في حلب، وقد حصل فيها ما حصل من فتنة التتار، وكان نازلا في المدرسة الأسدية، فقال لي: يا بني اذهب إلى بيتنا، فلعلك تجد ما نأكل. فذهبت إلى الدار، فوجدت الشيخ عيسى الرصافي - وكان من أصحابه - مقتولا في الدار، وعليه دلق الشيخ، وقد حرق، ولم يحترق الدلق ولم تمسه النار، فأخذته وخرجت، فوجدني بعض بني جهبل، فأخبرنه بخبر الدلق، فحلف علي بالطلاق، وأخذه مني.