تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٧ - الصفحة ٢٨٢
وقال أبو الحسن علي بن أنجب ابن الساعي في تاريخه: الفقير الحريري الدمشقي شيخ عجيب الحال، له زاوية بدمشق يقصده بها الفقراء وغيرهم من أبناء الدنيا، وكان يعاشر الأحداث ويصحبهم ويقيمون عنده، وكان الناس يكثرون القول فيه، وينسبونه إلى ما لا يجوز، حتى كان يقال عن إنه مباحي، ولم يكن عنده مراقبة ولا مبالاة، بل يدخل مع الصبيان الأحداث، ويعتمد معهم ما يسمونه تخريبا، والفقهاء ينكرون فعله، ويوجهون الإنكار نحوه، حتى إن سلطان دمشق أخذه مرارا وحبسه، وهو لا يرجع عن ذلك ويزعم أنه صحيح في نفسه. وكان له قبول عظيم ولا سيما عند الأحداث، فإنه كان إذا وقع نظره على أحد من الأحداث سواء كان من أولاد الأمراء أو أولاد الأجناد أو غيرهم يحسن ظنه فيه، ويميل إليه، ولا يعود ينتفع به أهله، بل يلازمه ويقيم عنده اعتقادا فيه. وكان أمره مشكلا، والله يتولى السرائر. ولم يزل على ذلك إلى حين وفاته. وكان فيه لطف. وله شعر، فمنه:
* كم تنعمني بصحبة الأجساد * كم تسهرني بلذة الميعاد * * جد لي بمدامة تقوي رمقي * والجنة جد بها على الزهاد * وقال الإمام أبو شامة: الشيخ علي الحريري المقيم بقرية بسر، كان يتردد إلى دمشق، وتبعه طائفة من الفقراء المعروفين بالحريرية أصحاب الزي المنافي للشريعة وباطنهم شر من ظاهرهم، إلا من رجع منهم إلى الله تعالى.) وكان عند هذا الحريري من القيام بواجب الشريعة، ما لم يعرفه أحد من المتشرعين ظاهرا وباطنا، ومن إقامة شرائع الحقيقة ما لم يكن عنده أحد في عصره من المحافظة على محبة الله وذكره والدعاء إليه والمعرفة به. وأكثر الناس يغلطون في أمره الظاهر وفي أمره الباطن. ولقد أفتى فيه مشايخ العلماء، وما بلغوا منتهى فتياهم، وبلغ هو فيهم ما كانوا يريدون أن يبلغوه فيه.
قلت: يعرض بابن عبد السلام لكونه أخرج من دمشق.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»