قلت: سمعت عبد الحميد بن خولان: سمعت الضياء يقول: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع الخلق عليه، فحسد، وشرعوا يعملون لهم وقتا في الجامع، ويقرأ عليهم الحديث، ويجمعون الناس، فهذا ينام، وهذا قلبه غير حاضر، فلم يشف قلوبهم، فشرعوا في مكيدة، فأمروا الناصح بن الحنبلي بأن يعظ بعد الجمعة تحت النسر، وقت جلوس الحافظ، فأخر الحافظ ميعاده إلى العصر. فلما كان في بعض الأيام، والناصح قد فرغ، وقد ذكر الإمام، فدسوا إليه رجلا ناقص العقل من بيت ابن عساكر، فقال للناصح: ما معناه أنك تقول الكذب على المنبر فضرب الرجل وهرب، وخبئ في الكلاسة، ومشوا إلى الوالي، وقالوا له: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلى الفتنة. وهم واعتقادهم. ثم جمعوا كبراءهم، ومضوا إلى القلعة، وقالوا للوالي: نشتهي أن تحضر الحافظ.) وسمع مشايخنا، فانحدروا إلى المدينة، خالي الموفق، وأخي الشمس البخاري، والفقهاء، وقالوا: نحن نناظرهم. وقالوا للحافظ: اقعد أنت لا تجيء، فإنك حاد، ونحن نكفيك.
فاتفق أنهم أرسلوا إلى الحافظ فأخذوه، ولم يعلم أصحابنا، فناظروه وكان أجهلهم يغري به، فاحتد. وكانوا قد كبتوا شيئا من اعتقادهم، وكتبوا خطوطهم فيه، وقالوا له: اكتب خطك. فلم يفعل. فقالوا للوالي: قد اتفق الفقهاء كلهم، وهذا يخالفهم. واستأذنوه في ربع منبره. فأرسلوا الأسرى، فرفعوا ما في جامع دمشق من منبر وخزانة وقالوا: نريد أن لا نجعل في الجامع إلا صلاة الشافعية. وكسروا منبر الحافظ، ومنعوه من الجلوس، ومنعوا أصحابنا من الصلاة في مكانهم، ففاتهم الظهر.
ثم إن الناصح جمع البنوية وغيرهم، وقالوا: إن لم يخلونا نصلي صلينا بغير اختيارهم. فبلغ ذلك القاضي، وهو كان صاحب الفتنة، فأذن لهم، وخاف أن يصلوا بغير إذنه.