فلما كان يوم الاثنين جئت إليه، وكان عادتي أبعث كل يوم من يأتي بماء من الحمام بكرة يغسل به أطرافه. فلما جئنا بالماء مد يده، فعرفت أنه يريد الوضوء، فوضأته وقت صلاحة الصبح، فلما توضأ قال: يا عبد الله قم فصل بنا وخفف.
فقمت وصليت بالجماعة، وصلى معنا جالسا، فلما انصرف الناس، جئت وقد استقبل القبلة فقال: اقرأ عند رأسي يس. فقرأتها، فجعل يدعو وأنا أؤمن. فقلت له: ههنا دواء قد علمناه، تشربه قال: يا بني، ما بقي إلا الموت.
فقلت: ما تشتهي شيا قال أشتهي النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى. فقلت: ما أنت عني راض قال: بلى والله، أنا راض عنك وعن إخوتك، وقد أجزت لك ولإخوتك، ولابن أخيك إبراهيم.
فقلت: ما توصي بشيء. قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء.
قلت: توصيني بوصية. قال: يا بني أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته.
فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال: ما هذا الحديث اذكروا الله، قولوا لا إله إلا الله. فقالوا، ثم قاموا، وجعل هو يذكر الله ويحرك سفتيه، ويشير بعينيه. فدخل درع النابلسي فسلم عليه وقال: ما تعرفني قال: بلى.
فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه. وذلك يوم الاثنين الثالث) والعشرين من ربيع الأول. وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد، واجتمع الخلق الغد، خلق كثير من الأئمة والأمراء، وما لا يحصيهم إلا الله. ودفناه بالقرافة مقابل قبر أبي عمرو بن مرزوق، في مكان ذكر لي خادمه عبد المنعم أنه كان يزور ذلك المكان، ويبكي فيه إلى أن يبل الحصى، ويقول: قلبي يرتاح إلى هذا المكان. فرحمه الله ورضى عنه.