تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٠ - الصفحة ١٨٤
وله: وصل كتاب الأمير المولى تقي الدين مصطفى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، حتى يتوب المخلص من القيادة، وينقطع المعيدي إلى العبادة، بألفاظ أحسن من فتور الألحاظ، ومعاني كترجيع المغاني. وكان ذلك أجمل في عيني من الروض غب السحاب، وألذ من الصفع بخفاف القحاب، لا بل أحلى من مطابقة الزامر للعواد، وأشهى إلى النفس من مواعيد القواد، فطرب المملوك ولا طرب فلان الفلاني لما اجتمع بفلانة في دعوة فلان في المحرم من هذه السنة، وغنت له:
* ما غير البعد ودا كنت تعرفه * ولا تبدل بعد الذكر نسيانا * * ولا ذكرت صديقا كنت آلفه * إلا جعلتك فوق الذكر عنوانا * فإنه لما سمع ذلك قام وقعد، وصاح ولطم، وفتل شعر عنفقته، وأدار شربوشه على رأسه، وشق غلالته، وجرى إلى الشمعة ليحرق ذقنه بها ولم يزل يحلف بحياة الجماعة، ليسكبن قدحه في سرتها، ويتلقاه ويلتقيه من بين أشفارها، بحيث أن يكون لحيته ستارة على ثقبها، فمنعه عشيقها، فحلف برأس الملك العظيم ليشربن بخفها، فقال: هذا هين، فلو أردت أن أسقيك بالخف) ثلاثمائة فعلت. فعب في الخف إلى أن وقع. لا والله ولا طرب الصوفية ليلة العيد، إذا حضر عندهم مرتضى المغني، معشوق العماد الكاتب، وقد أسبل شعره على كتفيه، وأمسك أبو شعيب الشمعة بين يديه، وهو يغني لابن رشيق القيرواني:
* فتور عينيك ينهاني ويأمرني * وورد خديك يغري بي ويغريني * * أما لئن بعت ديني واشتريت به * دنيا فما بعت فيك الدين بالدون * * سبحان من خلق الأشياء قاطبة * تراه صور ذاك الجسم من طين * * استغفر الله لا والله ما نفعت * من سحر مقلته آيات ياسين * فإنهم لما سمعوا هاجوا وماجوا، وصاحوا وناحوا، وزعقوا وقفزوا إلى السماء، وفتلوا حتى انخسف ببعضهم الموضع، فنبشوا وكفنوا ودفنوا، والباقون يرقصون ولا يدرون.
(١٨٤)
مفاتيح البحث: الجماعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»