والخلافة إذا ذكر بها أهل الخلاف لم يخروا عليها إلا صما وعميانا. والبدعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلة في شيع الضلال شائعة. ذلك أنهم اتخذوا عباد الله من دون أولياء، وسموا أعداء الله أصفياء. وتقطعوا في أمرهم شيعا، وفرقوا أمر الأمة وكان مجتمعا. وكذبوا بالنار، فعجلت لهم نار الحتوف، ونثرت أقلام الظباء حروف رؤوسهم نثر الأقلام للحروف. ومزقوا كل ممزق، وأخذ منهم كل مخنق. وقطع دابرهم، ووعظ آتيهم غابرهم. ورغمت أنوفهم ومنابرهم، وحقت عليهم الكلمة تشريدا وقتلا، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا، وليس السيف عمن سواهم من الفرنج بصائم، ولا الليل عن السير إليهم بنائم. ولا خفاء عن المجالس الصاحبي أن من شد عقد خلافة، وحل عقد خلاف، وقام بدولة وقعد بأخرى قد عجز عنها الأخلاف والأسلاف، فإنه يفتقر إلى أن يشكر ما نصح، ويقلد ما فتح، ويبلغ ما اقترح، ويقام حقه ولا يطرح، ويقرب مكانه وإن نزح، وتأتيه التشريفات الشريفة.
إلى أن قال: وقد أنهض لإيصال ملطفاته، وتنجز تشريفاته، خطيب الخطباء بمصر، وهو الذي اختاره لصعود المنبر، وقام بالأمر قيام من بر، واستفتح بلبس السواد الأعظم، الذي جمع الله عليه السواد الأعظم.