تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٦ - الصفحة ١١٢
ونقل عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي في كتاب المعجب الذي اختصرته، أن ابن تومرت رحل إلى بغداد، فأخذ الأصول عن أبي بكر الأصولي الشاشي، وسمع من المبارك بن عبد الجبار ابن الطيوري.
وقال: إن أمير الإسكندرية نفاه منها فبلغني أنه استمر ينكر في المركب إلى أن ألقوه في البحر.
فأقام نصف يوم يجري في ماء السفينة ولم يغرق، فأنزلوا إليه من أطلعه وعظموه، إلى أن نزل بجاية، ووعظ بها، ودرس، وحصل له القبول، فأمره صاحبها بالخروج منها خوفا منه، فخرج، ووقع بعبد المؤمن وكان بارعا في خط الرمل.
ووقع بجفر فيما قيل، وصحبهما من ملالة عبد الواحد الشرقي، فتوجه الثلاثة إلى أقصى المغرب.) وقيل إنه لقي عبد المؤمن ببلاد متيحة، فرآه يعلم الصبيان، فأسر إليه، وعرفه بالعلامات.
وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا، وهي أنه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صحفة قال: ثم زاد أكلي على أكله، ثم اختطفت الصحفة منه.
فقصها على عابر فقال: هذه لا ينبغي أن تكون لك، إنما هي لرجل ثائر يثور على أمير المسلمين، إلى أن يغلب على بلاده.
وسار ابن تومرت إلى أن نزل في مسجد بظاهر تلمسان، وكان قد وضع له هيبة في النفوس.
وكان طويل الصمت، كثير الإنقباض، إذا انفصل عن مجلس العلم لا يكاد يتكلم.
أخبرني شيخ عن رجل من الصالحين كان معتكفا في ذلك المسجد أن ابن تومرت خرج ليلة فقال: أين فلان قالوا: مسجون.
فمضى من وقته ومعه رجل، حتى أتى إلى باب المدينة، فدق على البواب دقا عنيفا.
ففتح له بسرعة، فدخل حتى أتى الحبس، فابتدر إليه السجانون يتمسحون به.
ونادى: يا فلان.
فأجابه، فقال: أخرج، فخرج والسجانون باهتون لا يمانعونه، وخرج به حتى أتى المسجد.
وكانت هذه عادته في كل ما يريد، لا يتعذر عليه.
قد سخرت له الرجال.
وعظم شأنه بتلمسان إلى أن انفصل عنها، وقد استحوذ على قلوب
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»