تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٦ - الصفحة ١٠٧
وجاور بمكة، وحصل طرفا جيدا من العلم.) وكان متورعا.
متنسكا، مهيبا، متقشفا، مخشوشنا، أمارا بالمعروف، كثير الإطراق، متعبدا، يبتسم إلى من لقيه، ولا يصحبه من الدنيا إلى عصاة وركوة.
وكان شجاعا، جريئا، عاقلا، بعيد الغور، فصيحا في العرب، قد طبع على النهي عن المنكر، متلذذا به، متحملا المشقة والأذى فيه.
أوذي بمكة لذلك، فخرج إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فزادوا في أذاه وطرد.
وكان إذا خاف من البطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه ليظنوه مجنونا، فخرج إلى الإسكندرية، فأقام بها مدة.
ثم ركب البحر إلى بلاده.
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرتين، فلما ركب السفينة شرع ينكر، وألزمهم بالصلاة والتلاوة، فلما انتهى إلى المهدية، وصاحبها يومئذ يحيى بن تميم الصنهاجي، وذلك في سنة خمس وخمسمائة، نزل بها في مسجد مغلق على الطريق.
وكان يجلس في طاقته، فلا يرى منكرا من آلة الملاهي أو أواني الخمور إلا نزل وكسرها.
فتسامع به الناس، وجاءوا إليه، وقرأوا عليه كتبا في أصول الديانة، وبلغ خبره الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء، فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه، وسأله الدعاء، فقال له: أصلحك الله لرعيتك.
ثم نزح عن البلد إلى بجاية، فأقام بها ينكر كدأبه، فأخرج منها إلى قرية ملالة، فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي، فيقال: إن ابن تومرت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن وصفة رجل يظهر بالمغرب الأقصى من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب، يسمى ت ي ن م ل، ويجاوز وقته المائة الخامسة.
فوقع في ذهنه أنه هو.
وأخذ يتطلب صفة عبد المؤمن فبلغ إلى أن رأى في الطريق شابا قد بلغ أشده على الصفة التي معه، فقال: يا شاب ما اسمك قال: عبد المؤمن.
فقال: الله أكبر، أنت بغيتي، فأين مقصدك؟
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»