وأربعين وأربعمائة، فلم يلقوا من يمنعهم، فأخذوا ما في طريقهم، وحاصروا قصريانه، وعمل معه ابن نعمة مصافا، فهزموه، فالتجأ إلى القصر، وكان منيعا حصينا. فحلوا عنه واستولوا على أماكن كثيرة، ونزح عنها خلق من الصالحين والعلماء، واجتمع بعضهم بالمعز، فأخبره بما الناس فيه من الويل مع عدوهم، فجهز أسطولا كبيرا، وساروا في الشتاء، فغرق البحر أكثرهم، وكان ذلك مما أضعف المعز، وقويت عليه العرب، وأخذت البلاد منه، وتملك الفرنج أكثر صقلية.
واشتغل المعز بما دهمه من العرب الذين بعثهم صاحب مصر المستنصر لحربه وانتزاع البلاد منه، فقام بعده ولده تميم في الملك، فجهز أسطولا وجيشا إلى صقلية، فجرت لهم حروب وأمور طويلة، ورجع الأسطول، وصحبهم طائفة من أعيان أهل صقلية، ولم يبق أحد يمنع الفرنج، فاستولوا على بلاد صقلية، سوى قصريانه وجرجنت، فحاصروا المسلمين مدة حتى) كلوا، وأكلوا الميتة من الجوع، وسلم أهل جرجنت بلدهم، ولبث قصريانه بعده ثلاث سنين في شدة من الحصار، ولا أحد يغيثهم، فسلموا بالأمان، وتملك رجار، جميع الجزيرة، وأسكنها الروم والفرنج مع أهلها.
وهلك رجار قبل التسعين وأربعمائة، وتملك بعده ابنه، فاتسعت ممالكه، وعمر البلاد، وبالغ في الإحسان إلى الرعية، وتطاول إلى أخذ سواحل إفريقية.