وكان ربما مررت به وهو قاعد في الشمس، وظهره مكشوف، وأثر الضرب بين في ظهره.
وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي، فأراد أبي أن يختنه، فآتخذ له طعاما كثيرا، ودعا قوما، فلما أراد أن يختنه وجه إليه جدي فقال له: بلغني ما أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغني أنك أسرفت، فآبدأ بالفقراء والضعفاء فأطعمهم.
فلما كان من الغد، وحضر الحجام، وحضر أهلنا، فجاء جدي حتى جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وأخرج صريرة دفعها إلى الحجام، وصريرة دفعها إلى الصبي، وقام فدخل منزله. فنظر الحجام في الصريرة فإذا درهم واحد.
وكنا قد رفعنا كثيرا مما آفترش، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة على شيء من الثياب الملونة، فلم ينكر ذلك.
وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي، فنزل على أبي، وكان يكنى بأبي أحمد، فدخلت معه إلى جدي، فجاءت الجارية بطبق خلاف، وعليه خبز وبقل وخل وملح. ثم جاءت بغضارة فوضعتها بين أيدينا، فيها مصلية، فيها لحم وسلق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل معنا، ويسأل أبا أحمد عمن بقي من أهلهم بخراسان في خلال ما يأكل، فربما استعجم الشيء على أبي أحمد، فيكلمه جدي بالفارسية، ويضع القطعة اللحم بين يديه وبين يدي. ثم رفع الغضارة بيده، فوضعها ناحية، ثم أخذ طبقا إلى جنبه، فوضعه بين أيدينا، فإذا تمر بري، وجوز مكسر. وجعل يأكل، وفي خلال ذلك يناول أبا أحمد.
وقال عبد الملك الميموني: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء فيقول: لبيك لبيك.
وعن المروذي قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله. كان مائلا إليهم، مقصرا عن أهل الدنيا.
وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول. وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار. إذا جلس في مجلس بعد العصر لا يتكلم حتى يسأل. وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر. يقعد حيث انتهى به المجلس.