ثم بكى فبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حل، ومر له بصلة فقال: لا حاجة لي بها. قال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن الواثق رجع عنها من يومئذ. وقال إبراهيم نفطويه: حدثني حامد بن العباس، عن رجل، عن المهتدي بالله، أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن. وكان الواثق وافر الأدب. بلغنا أن جارية غنته بشعر العرجي:
* أظلوم إن مصابكم رجلا * رد السلام تحية ظلم * فمن الحضرين من صوب نصب رجلا، ومنهم من قال: صوابها: رجل. فقالت: هكذا لقنني المازني. وطلب المازني، فلما مثل بين يدي الواثق، قال: ممن الرجل قال: من بني مازن.
قال: أي الموازن، أمازن تميم، أم مازن قيس، أم مازن ربيعة قلت: مازن ربيعة. فكلمني حينئذ بلغة قومي فقال: با اسبك. لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميم فكرهت أن أواجهه بمكر، فقلت: بكر يا أمير المؤمنين. ففطن لها وأعجبته. فقال: ما تقول في هذا البيت. قلت: الوجه النصب.
لأن مصابكم مصدر، بمعنى أصابتكم. فأخذ البريدي يعارضني، قلت: هو بمنزلة إن ضربك زيدا ظلم. فلرجل مفعول مصابكم، والدليل عليه أن الكلام معلق، إلى أن تقول ظلم فيتم.
فأعجب الواثق، وأعطاني ألف دينار. قال ابن أبي الدنيا: كان الواثق أبيض، تعلوه صفرة، حسن اللحية، في عينيه نكتة. وقال زرقان بن أبي دؤاد: لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين: