وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٦ - الصفحة ٤١٧
يزل القوم يحمل بعضهم على بعض حتى انهزم الصفار فغنم الناس من أثقاله غنيمة عظيمة وتوهموا أن ذلك حيلة منه ومكر ولولا ذلك لاتبعوه ولقد حدثني من حضر ذلك أن رشق الجند الموالي كان في ذلك الوقت عشرين ألف سهم وانصرف الخليفة مسرورا بما فتح الله عليه وكان ممن تخلص من أسره ذلك اليوم أبو عبد الله محمد بن طاهر أمير خراسان وجاء إلى الخليفة وهو في قيده ففك الخليفة عنه القيد وخلع عليه خلعة سلطانية وذكر المعتمد ذلك النهار أنه رأى تلك الليلة في المنام كأن إنسانا كتب على صدره * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * الفتح 1 وقص الرؤيا على خواصه وقال لهم قد وثقت بنصر الله تعالى وقبل الوقعة وردت كتب الصفار إلى الخليفة وفيها خضوع وتضرع ويخبر بأنه لم يجئ إلا لخدمة أمير المؤمنين والتشرف بالمثول بين يديه والنظر إليه وأن يموت تحت ركابه فقال المعتمد نحن في مخاريق الصفار بعد أعلموه أنه ما له عندي إلا السيف وأمر الخليفة بالكتاب إلى أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وهو عم محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر يخبره بالفتح وخلاص ابن أخيه محمد بن طاهر فكتب إليه وهو يومئذ يتولى الشرطة ببغداد نيابة عن ابن أخيه المذكور فإنه كان يتولى خراسان وشرطتي بغداد وسر من رأى وفي الكتاب فصول طويلة وحاصله أنه عدد ذنوب الصفار وما قابله به الخليفة من الإحسان والإنعام وأنه قلده خراسان والبلاد التي تقدم ذكرها قبل هذا وأنه رفع مرتبته وأمر بتكنيته في كتبه وأقطعه الضياع السنية ولم يبق شيء مما يقدر فيه استصلاحه إلا فعله فما زاده ذلك إلا البغي والطغيان والتمس أشياء إن رد عنها قصد أبواب أمير المؤمنين لإثارة الفتنة وابتغاء الغلبة فلم ير أمير المؤمنين إجابته إلى ما التمسه وتابع الكتب بالرجوع إلى أعماله الجليلة التي ولاه إياها وحذره التعرض لزوال النعم التي أنعم الله عليه بها فقد خالفه وعصاه وخرج عن طاعته وعرفه أنه إن أقام على المصير إلى الباب فقد عصاه وخرج عن طاعته ثم وجه إليه في ذلك مرة بعد أخرى مع جماعة
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»