وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٦ - الصفحة ٢٢٨
وحكى الجهشياري في كتاب أخبار الوزراء أن يحيى بن خالد اشتهى في وقت من الأوقات في محبسه وهو مضيق عليه سكباجة فلم يطلق له اتخاذها إلا بمشقة فلما فرغ منها سقطت القدر من يد المتخذ لها فانكسرت فأنشد يحيى أبياتا يخاطب بها الدنيا ومضمونها اليأس وقطع الأطماع ولم يزل يحيى في حبس الرافقة إلى أن مات في الثالث من المحرم سنة تسعين ومائة فجأة من غير علة وهو ابن سبعين سنة وقيل أربع وسبعين وصلى عليه ابنه الفضل ودفن في شاطىء الفرات في ربض هرثمة ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه قد تقدم الخصم والمدعي عليه في الأثر والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة فحملت الرقعة إلى الرشيد فلم يزل يبكي يومه كله وبقي أياما يتبين الأسى في وجهه رحمهما الله تعالى وكان يحيى يجري على سفيان الثوري رضي الله عنه في كل شهر ألف درهم وكان سفيان يقول في سجوده اللهم إن يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه أمر آخرته فلما مات يحيى رآه بعض إخوانه في النوم فقال له ما صنع الله بك قال غفر لي بدعاء سفيان وقيل إن صاحب هذه القضية هو سفيان ابن عيينة لا سفيان الثوري والله تعالى أعلم قال الجهشياري ندم الرشيد على ما كان منه في أمر البرامكة وتحسر على ما فرط منه في أمرهم وخاطب جماعة من إخوانه بأنه لو وثق منهم بصفاء النية منهم لأعادهم إلى حالهم وكان الرشيد كثيرا ما يقول حملونا على نصحائنا وكفاتنا وأوهمونا أنهم يقومون مقامهم فلما صرنا إلى ما أرادوا لم يغنوا عنا وأنشد
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»