الباقين فتحير في أمره وأحضر ابنته المذكورة وكانت الحكمة مركبة في طباع القوم ذكورهم وإناثهم ولذلك قيل إن الحكمة نزلت من السماء على ثلاثة أعضاء من أهل الأرض على أدمغة اليونان وأيدي أهل الصين وألسنة العرب فلما حضرت بين يديه قال لها يا بنية إني قد أصبحت في حيرة من أمري قالت وما حيرك قال قد خطبك جميع ملوك الأندلس ومتى أرضيت واحدا أسخطت الباقين فقالت اجعل الأمر إلي تخلص من اللوم قال وما تصنعين قالت أقترح لنفسي أمرا من فعله كنت زوجته ومن عجز عنه لم يحسن به السخط قال وما الذي تقترحين قالت أقترح أن يكون ملكا حكيما قال نعم ما اخترتيه لنفسك وكتب في أجوبة الملوك الخطاب إني جعلت الأمر إليها فاختارت من الأزواج الملك الحكيم فلما وقفوا على الأجوبة سكت عنها كل من لم يكن حكيما وكان في الملوك رجلان حكيمان فكتب كل واحد منهما إليه أنا الرجل الحكيم فلما وقف على كتابيهما قال يا بنية بقي الأمر على إشكاله وهذان ملكان حكيمان أيهما أرضيته أسخطت الآخر قالت سأقترح على كل واحد منهما أمرا يأتي به فأيهما سبق إلى الفراغ مما التمسته تزوجت به قال وما الذي تقترحين عليهما قالت إننا ساكنون بهذه الجزيرة ونحن محتاجون إلى رحى تدور بها وإني مقترحة على أحدهما إدارتها بالماء العذب الجاري إليها من ذلك البر ومقترحة على الآخر أن يتخذ طلسما يحصن به جزيرة الأندلس من البربر فاستظرف أبوها اقتراحها وكتب إلى الملكين بما قالته ابنته فأجابا إلى ذلك وتقاسماه على ما اختارا وشرع كل واحد في عمل ما ندب إليه من ذلك فأما صاحب الرحى فإنه عمد إلى خرز عظام اتخذها من الحجارة ونضد
(٣٢٥)